يعد الطين من أقدم مواد البناء التي عرفها الإنسان منذ ما يقارب عشرة آلاف سنة، فالإنسان استخدم هذه المادة والتي بها بنى برج بابل في القرن السابع قبل الميلاد كأول ناطحة سحاب عرفها التاريخ، وكذلك انتشر البناء بالطين وبتناغم مع البيئة في حضارات بلاد الرافدين ومصر، والحضارة العربية والإسلامية. وقد أعاد عدد من الأحسائيين استخدام مباني الطين وسط بيوتهم كمرفق من مرافق منازلهم؛ ليمثل التراث الشعبي القديم الذي يحكي بطبيعته تاريخ الأحساء، وتُبنى هذه الأركان بالطين والحصى وتُسقف بجذوع النخل بالإضافة إلى بعض التحسينات الحديثة. وفي هذا الصدد يقول اختصاصي مباني التراث سعيد جبران: إن هناك طلبا متزايدا في المنازل الحديثة بالأحساء على الغرف التراثية والبناء الشعبي القديم «الحساوي» المعتمد على الطين وجذوع النخل و«الشندل» والذي يكتسي طابعا فريدا من نوعه في أسلوب معماري جميل، يظهر من خلال الأقواس والقباب والزخارف الأحسائية، ما أعاد بذلك مهنة (استاذ بناء الطين) الذي يلم بفن البناء والتخطيط، وهو بمثابة المقاول أو المهندس في زماننا الحاضر، ويحرص العديد من راغبي البناء الشعبي الآن على عمل متنفس وسط البيت وهو «حوش» صغير ملحق بالمبنى؛ لغرض الجلوس فيه لاستقبال دفء شمس الشتاء أو النسيم العليل في ليالي الصيف المقمرة. الشباب يستخدمون الطين في البناء فنيات البناء وأضاف جبران: إننا في البناء الشعبي الآن نراعي -قدر الإمكان- أن نعيد تراث البناء القديم كما كان الأجداد يعملون بالسابق لنقوم بصنع «اللبن» الذي يُصف فوق بعضه وتُبنى به الجدران، وتأتي مرحلة السقف المكون من الشندل والبواري والباسكيل أو من جذوع النخل والأسل وقلم العقربان والحصر، وكذلك المداد الأحسائي المصنوعة من الأسل، ليتم تغطيتها بالطين، حيث تأتي مرحلة (مليط) السطوح التي تكون انسيابية بحيث لا تسمح ببقاء الماء حتى لا يدخل من الشقوق ويؤدي إلى سقوطه، ومحاولة رفع سقف البيت وكذلك فتح نوافذ في الجدران تسمح بدخول تيار من الهواء. واستطر جبران قائلا: يعد الطين مادة طبيعية صديقة للبيئة، والبناء به يساعد على الحد من استنزاف الموارد الطبيعية، ويساعد على توفير الطاقة المستهلكة في التبريد والتدفئة، وذلك لتميّزه بالقدرة على تخزين الحرارة والبرودة، وضعف توصيله للحرارة الخارجية. ومن المعروف برودة المباني الطينية صيفا ودفئها شتاء، فمادة الطين مادة طبيعية متوازنة بيئيا وتوفر مناخا داخليا صحيّا، حيث يحد استخدامها من التلوث وإنتاج النفايات واستنزاف البيئة في جميع مراحل التصنيع وحتى في حال الهدم لتميزها بسهولة التدوير بشكل طبيعي. بنّاء يستخدم الطين في بناء المنازل ذات الطابع التراثي محاكاة التراث وفي العادة تتم محاكاة التراث القديم في البناء عبر عمل المجلس أو ما يسمى ب «الديوانية»، وهو محل استقبال الضيوف ويحتوي على «الكمار» الذي توضع فيه الدلال والأباريق ويحتوي أيضا على «الوجار» المكان الذي تشب فيه النار لإعداد القهوة والشاي، وعادة الرجال هم الذين يتولون مهمة عمل القهوة للضيوف، إضافة إلى بناء الدهليز وبطن البيت أو الحوي، وغرف الدار، و سطح الدار، واستخدام أساليب بناء الشرفات وهي عبارة عن زوائد تبنى على امتداد جدار المنزل وعادة تكون ثلاث لبنات من الطين، كما يستخدم الأبواب الخشبية المنقوشة بأدق التفاصيل من الزخارف التي تعكس أصالة وتاريخ المنطقة مطرزة بالنجوم والمسامير النحاسية والمقحام أو القلك باختلاف مسمياته عند أهل الأحساء.