حالة من الارتياح عمت الأوساط الشعبية والرسمية المصرية بعد قرار القاهرة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، إذ كان هناك تحفز ممزوج بالغضب لدى المواطن المصري منذ أعوام عدة ضد سياسات قطر بعدما دأب الإعلام المحلي على اتهام الدولة الخليجية بالضلوع في تدبير الحوادث الإرهابية التي تشهدها مصر منذ ثورة 30 يونيو 2013 إما بالتخطيط أو بتدريب العناصر الإجرامية في معسكرات على أراضيها أو خارجها، مع توفير الدعم المالي بسخاء، وهو ما أصرت الدوحة على تأكيده باحتضانها عددا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المتهمين بارتكاب جرائم قتل لضباط بالجيش والشرطة ومواطنين أبرياء، فضلا عن تخصيص نافذة يومية ثابتة في برامج قناة الجزيرة الإخبارية للهجوم على مصر واصطياد المواقف السلبية وتضخيمها، ولا أدل على ذلك من «فبركة» فيلم تسجيلي مسيء للجيش المصري، إضافة إلى فيديوهات تمثيلية وإذاعتها على أنها حقيقة تتعمد فيها تشويه مصر. غليان الشارع وعلى الرغم من تحفظ المواطن المصري على الموقف الرسمي لبلاده من التجاوزات القطرية في فترات سابقة، إذ كان مغلفا بالدبلوماسية التي لا تواكب غليان الشارع، إلا أنه أعرب عن رضاه لبيان وزارة الخارجية الذي برر قطع مصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر بسبب إصرار الحكم القطرى على اتخاذ مسلك معادٍ لها، وفشل كافة المحاولات لإثنائه عن دعم التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي، وإيواء قياداته الصادرة بحقهم أحكاما قضائية فى عمليات إرهابية استهدفت أمن وسلامة مصر. إجماع عربي الحال ذاته للنخبة المصرية من مثقفين وسياسيين وخبراء إذ يرى خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور سعيد اللاوندي، أن قرار مصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر تأخر، لكنه جاء في إطار إجماع عربي ما يؤكد صواب ما نادت به القاهرة قبل أعوام بشأن الدور القطري المريب في منطقة الشرق الأوسط كافة وليس تجاه عدد من الدول العربية فحسب، لافتا إلى أن قطر تدفع الآن ثمنا غاليا لخطاياها نحو شقيقاتها العربية الكبرى لاسيما بعد إصرارها على دعم الجماعات الإرهابية التي عاثت فسادا في عدد من الدول العربية وكانت وراء الجرائم الإرهابية التي خربت عدة بلدان. وحذر الخبير بالمركز ذاته الدكتور بشير عبدالفتاح أصحاب القرار في الدوحة من مغبة إقحام وسطاء غير عرب لحل الأزمة، مشددا على أن تصريحات الرئيس التركي بالوساطة ستعمق الأزمة نظرا للرفض العربي للدور التركي بالمنطقة بعد اتهام أنقرة بالتورط في تفخيخ أزمات عدة من بينها تمويل عدد من الجماعات الإرهابية واستضافة عدد من قيادات جماعة الإخوان وإطلاق قنوات فضائية من أراضيها تهاجم الأنظمة العربية، معربا عن أمله بأن تتم تسوية الخلاف في إطار عربي دون دخول أطراف أخرى لتفادي تفجير مشكلات جديدة. وأشار إلى أن قطر يجب أن توقف فورا دعم التنظيمات المتطرفة وجماعة الإخوان المسلمين الضالعة في أغلب حوادث الإرهاب بالمنطقة العربية والتي كان لها دور بارز في قتل وتشريد الآلاف من العرب بعد أن تمكن الإرهاب من دولهم، مؤكدا أن ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن إنما هو إثر العبث القطري إما بالتمويل أو التدريب لعناصر هذه الجماعات الإرهابية. خروج على الإجماع من جانبه انتقد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، ما وصفه بالتبجح القطري باستخدام إيران «فزاعة» خصوصا لدول الخليج تلوح بها في وجه كل من يحاول ردعها، مؤكدا أنه موقف بمثابة خروج عن الاصطفاف العربي والإسلامي الذي ظهر للعالم كافة في القمة «الإسلامية - الأمريكية» الأخيرة بالرياض التي كان من أهم ما نادت به بالوقوف يدا واحدة في وجه طهران التي تزرع تنظيمات إرهابية بالمنطقة، والتصدي لأطماع الدولة الفارسية لاسيما بعد أن أطلت بوجهها القبيح عبر مواقف تآمرية تظهر رغبتها في شق الصفين العربي والإسلامي وزرع تنظيمات وجماعات غير شرعية في عدد من الدول للإمعان في إثارة القلاقل والفوضى. وأشار إلى أن المواقف العربية الأخيرة ستعزل قطر عن محيطيها العربي والقاري ولم يعد أمام الدوحة إلا إزاحة أميرها «تميم» بعد أن أساء لبلاده ووضعها في خصومة مع أشقائها قبل أعدائها في موقف غير مألوف في المنطقة العربية وفي وقت بالغ الدقة إذ تعصف القلاقل بعدد من الدول العربية إثر تنامي دور التنظيمات الإرهابية وأبرزهم بدون شك داعش الذي لا يزال يسيطر على عدد من المدن في ليبيا وسوريا والعراق، فضلا عن إرهاب الحوثيين في اليمن. وذكر الخبير في العلاقات الدولية أن تقارير دولية تشير إلى إنفاق قطر 300 مليار دولار على الجماعات المتطرفة خلال ال17 عاما الماضية وهو مبلغ ضخم كان يمكن توجيهه للإعمار والبناء بدلا من التخريب والدمار، لافتا إلى أن حل الأزمة مرهون بوقف الدوحة دعم وتمويل الإرهاب والتخلي عن علاقاتها بجماعة الإخوان. إيواء الإرهابيين ويقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية مصطفى حمزة: إن قطر تأوي عددا كبيرا من قيادات جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية الهاربين من أحكام قضائية في مصر، واتخذوا الدوحة ملاذا لهم منهم رئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية طارق الزمر، وأمين شباب حزب الحرية والعدالة وزوج ابنة نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر والمدعو أيمن عبدالغني، والداعية ونائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح محمد عبدالمقصود، ووزير الإعلام الإخواني صلاح عبدالمقصود، ونائب رئيس حزب الوسط وزير الشئون البرلمانية السابق محمد محسوب، ووزير الاستثمار السابق يحيى حامد، ومنسق حركة قضاة من أجل مصر وليد شرابي، والإعلاميون أحمد منصور ومحمد الجوادى ووائل قنديل وعلاء صادق وغيرهم. موقف جماعي الغضب أيضا انتقل للبرلمان المصري إذ اشترط رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي اللواء كمال عامر للمصالحة مع قطر بتغيير سياساتها العدائية تجاه الأمن القومي العربي، محذرا من أن أي تصعيد من جانب الدوحة قد يزيد من عزلتها، مشيرا إلى أن مصر لم تتخذ موقفا فرديا تجاه قطر على رغم تجاوزاتها بحقها خلال الأعوام الأخيرة حتى انتبهت دول عربية أخرى لخطورة مواقف الأمير تميم وانضمت إلى مصر وصار موقفا جماعيا. وشدد عضو البرلمان مصطفى بكرى على أن قطر متورطة منذ أعوام عدة في تمويل الإرهاب بملايين الدولارات وكثير من الدلائل تؤكد ذلك، ما يعني أن وجودها في المحيط العربي بات دخيلا ما لم تغير من سياساتها وتوقف التآمر على العرب، مطالبا جامعة الدول العربية بالتحرك وعقد اجتماع طارئ لتأديب قطر، لافتا إلى أنه بات من المستحيل بقاء الأمير تميم على رأس الحكم بعد أن أظهر نواياه التآمرية ضد العرب كافة في موقف مخز ولا يليق بحاكم عربي، مشيدا بتصدي مصر والسعودية على وجه الخصوص وعدد من الدول العربية الأخرى للدور القطري المشبوه الذي كان يحرض على الوقيعة وشق الصف العربي وزرع الكراهية والدعم الفاضح للجماعات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة. مصر عانت كثيرا من العمليات الإرهابية التي اتهمت قطر برعايتها (رويترز)