لا غضاضة من أن الصحافة الورقية تواجه اليوم تحديات كبيرة؛ بسبب التقدم المطرد في تكنولوجيا الإعلام وظهور أنواع جديدة من الصحافة المتلفزة والصحافة التفاعلية مثل صحافة الفضاء ممثلة في القنوات الفضائية الإخبارية، التي تقدم الخبر لحظة وقوعه وتتابع مجريات الأحداث أولا بأول، بالإضافة إلى الصحافة الإلكترونية التي أصبحت بدورها صحافة متلفزة تُحدث الأخبار بشكل مستمر، وصولا إلى صحافة المحمول وغيرها، الأمر الذي يضع على عاتق الصحافيين وإدارات الصحف مسئولية كبيرة؛ من أجل تطوير الذات وتنمية العنصر البشري للوصول إلى مفهوم الصحافي الشامل (بِتاع كله- بصيغتها الإطرائية لا الاستهزائية) ما سيؤدي إلى مكاسب مهمة لكل من الصحافي والصحيفة التي ستستفيد من اختصار العنصر البشري في المهمات والوظائف الصحافية، حيث إن إلمام الصحافي الشامل بكل أدوات ووظائف الصحافة من شأنه تطوير العمل الصحافي وتحقيق أقصى استفادة من خبرات ومهارات الكوادر العاملة في الصحيفة. في الحقيقة، كان يبدو لي لفترات طويلة أن العمل في شكل (الإعلامي المتكامل) أمر بالغ المثالية خاصة في شرقنا الأوسطي، لكن الأمثلة في الفترة الأخيرة كانت أكبر دليل على أن هذا الإعلامي القريب إلى الكمال متواجد فعلا وهو حي يرزق بين مجموعة الأحياء بيننا، فقد تبدو عملية اقتفاء الأخبار ثم ترتيبها وعنونتها ونشر ما يناسبها من صور وما إلى ذلك سلسلة طويلة (مرهقة) جدا، خاصة وإن تكلف بها شخص واحد وتحمل علاوة على ذلك مشقة إخراج المطبوعة، لكن تجد أن أنموذج الصحفي ذا الحقيبة الكاملة موجود بطريقة كبيرة في الغرب المتقدم ولدي الكثير من الصداقات مع عدد من الزملاء الذين يقومون على تنفيذ برامج إذاعية متكاملة أو مجلات دورية أو برامج يوتيوبية بشكل إنتاج فردي بحت، لكن يجدر بي الإشارة إلى أن هذا النموذج والمثال أصبح شيئا فشيئا يدخل مجتمعاتنا الفتية في شكل المدونات المحدثة باستمرار والتي يكتب فيها عدد من شبابنا وشاباتنا مواضيع يومية تشبه حياتنا واهتماماتنا، بالإضافة إلى شبكة القنوات اليوتيوبية العربية التي تشكلت قريبا وتحمل مضامين متنوعة (وذلك على اعتبارها نوعا من الإعلام الجديد المعاصر واعتبار هؤلاء ضمن المنضمين لقوافل إعلام المواطن)، وفي ذلك نماذج كثيرة، وأعتقد أنه في المستقبل القريب سنشهد تطورا أكبر في هذا المجال الإخباري الإعلامي الهام، متمنية مزيدا من الدعم من كافة الجهات التي تتصل بشكلٍ أو بآخر بالإعلام والتغطيات الإخبارية وذلك عن طريق تأهيل المهتمين والمتخصصين في كافة المجالات الإعلامية، ولا سيما الأنوية الإعلامية الناشئة من جيل الإعلام الجديد وتزويدهم بشيء من الخبرات الإعلامية (من كلِ بُستانٍ وردة) كي يكونوا وحداتٍ إعلامية منفصلة ومتصلة على الدوام بشكل نافعٍ ومفيد. إن البعض يجد أن مُلاك الوسائل الإعلامية والقائمين على المؤسسات الاتصالية يبحثون عن الصحافي الشامل «بتاع كله»؛ لأنهم يجدون أنه سلعة رابحة وموفرة في نفس الوقت، ولنتفق أن ملاك وسائل الإعلام أو أرباب العمل بشكلٍ عام يرغبون في اختصار ميزانياتهم المالية في عددٍ محدود من الموظفين الأذكياء ذوي الفائدة القصوى، ومن هنا أصبح لزاما على الإعلامي الصحافي العامل في أي مجال أن يبادر من تلقاء نفسه ليزج بنفسه في كل ألوان العمل الإعلامي مكتسبا لخبرات جديدة وموظفا خبراته في الوسيلة الاتصالية السابقة التي عمل بها ومستفيدا منها في وسيلته الجديدة ومكونا للصحفي الشامل في عصر تصُهر فيه صحافة الموبايل وصحافة المواطن كل أنواع العمل الصحافي، مقدمة للمتلقي أكبر جرعة من الجِدة والآنية، ويكون بذلك ورقة رابحة (جوكر) أمام كل وسيلة إعلامية ترغب في توظيفه بالشكل الأذكى والأقصى ومحققا بذلك لكثير من المنافع الذاتية في التميز والتطور في زمن تصعب فيه الرهانات إلا على من يمتلك (بتاع كله) في صيغتها الإطرائية الشاملة كما ذكرت.