تعود بداية العلاقات السعودية الامريكية للعام 1931م بعدما منح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- حق التنقيب عن النفط لشركة أمريكية، لتشكل نواة بداية العلاقات بين المملكة والولاياتالمتحدة ليتبعه في 1933 توقيع اتفاقية تعاون لدعم هذا الجانب الذي شكل فيما بعد قوة اقتصادية عالمية للمملكة إلى جانب مكانتها الإسلامية والسياسية، ثم أتى ذلك اللقاء التاريخي الذي جمع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 1945. جاءت بعده عدة لقاءات متبادلة لقادة البلدين عززت جوانب الصداقة والاحترام ومراحل التطور على مختلف الأصعدة الصناعية والتجارية والتعليمية، وهنا في المنطقة الشرقية كان في مدينة الظهران المشهد الأول لتلك الحكاية والعلاقة التاريخية، حيث كانت القنصلية الأمريكية التي اسست عام 1944 هي أول تمثيل دبلوماسي أمريكي في منطقة الخليج وكانت (الفيلا رقم 1635 في مجمع أرامكو السكني بالظهران) هي المقر الأول للقنصلية الأمريكية. ورغم كل التحديات التي مرت بها العلاقات السعودية الامريكية في السنوات الاخيرة بالتزامن مع المتغيرات التي مرت بها المنطقة ناهيك عن تصاعد بعض الملفات كالملف الايراني ودعمه للارهاب والاوضاع في كل من سوريا والعراق واليمن، الا ان العلاقات السعودية الامريكية ظلت صامدة لم تتغير.. ولعل إعلان الرئيس دونالد ترامب ان اول زيارة خارجية له كرئيس ستكون للمملكة هو خير دليل على متانة هذه العلاقات، «اليوم» جلست مع خبراء وقانونيين ومختصين في الشؤون الخارجية لتسليط الضوء والحديث حول علاقة الصداقة والشراكة الأزلية بين الرياضوواشنطن، وأكد المجتمعون بندوة «اليوم» أن فترة باراك أوباما شهدت شيئا من التردد في العلاقة بين البلدين، رغم أن السعودية هي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة بالمنطقة، وذلك بسبب ميل إدارة أوباما ومحاباته لنظام إيران على حساب دول الخليج، وهو ما اثر نوعا ما على العلاقة، مشيرين إلى أنه رغم ذلك، نجد أن عمق التحالف السعودي الامريكي الذي يمتد لأكثر من 72 سنة لا يقتصر فقط على المستوى الرسمي، بل يمتد ليلامس المستوى الشعبي.. وثمن ضيوف «اليوم» الموقف الحالي لإدارة ترامب لدعمها جهود المملكة وقيادتها للتحالفين الإسلامي والعربي، في مكافحة الإرهاب، الذي يعد ابرز نقاط الالتقاء حاليا بين البلدين. محمد العصيمي العصيمي: المملكة الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة بالمنطقة بدأ العصيمي حديثه عن عهد الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما قائلا: «شهدت السنوات الأخيرة وتحديدا فترة الرئيس الامريكي السابق شيئا من التردد في العلاقة بين الرياضوواشنطن، رغم أن المملكة تمثل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة بالمنطقة، وهو ما اثر نوعا ما على العلاقة، واذا جاز الوصف فإن موقف اوباما (الشخصي) بعيدا عن المؤسسات الأمريكية كان متحفظا تجاه دول الخليج بشكل عام، عكس ما لمسناها منه مع النظام الايراني المعادي لدول الخليج». وأضاف المستشارالإعلامي: «يجب ان نستوعب هنا ان ما يحكم هذه العلاقات بالدرجة الاولى هو المصالح المشتركة، فهي علاقات سياسية قائمة على مبدأ تبادل المصالح، ومتى ما تغيرت تلك الظروف ستتأثر تلك العلاقة. وواقع الحال يؤكد ان علاقة البلدين متينة جدا خاصة على الصعيد الاقتصادي والتجاري منذ انشاء شركة (أرامكو)، فالمملكة هي الشريك الثاني عشر للولايات المتحدة، وفي المقابل امريكا هي الشريك الثاني للمملكة، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين 1991- 2015 فقط 3 ترليونات ريال كما سجل العام 2015 معدلات عالية ب170 مليار ريال، ولا نغفل ايضا عدد المبتعثين حيث بلغ عدد المبتعثين 80 ألف سعودي بالولاياتالمتحدة». وبين العصيمي عمق التحالف الذي يمتد لأكثر من 72 سنة ولا يقتصر فقط على المستوى الرسمي، بل يمتد أيضا ليلامس المستوى الشعبي، والدلالات على عمق هذه العلاقات كثيرة لذلك توجت مؤخرا بإعلان الرئيس ترامب ان اول زيارة خارجية له ستكون للمملكة وهذه سابقة تاريخية، وهي تعتبر أيضا حتى في تاريخنا بالمملكة سابقة ان يفتتح رئيس امريكي زياراته الخارجية لبلد عربي. وأضاف المستشار الإعلامي: «التراخي الذي حدث بين البلدين في إدارة باراك اوباما يمكن ان نصفه بأنه رب ضارة نافعة فهو ما اعطى المملكة حافزا لان تكون العلاقات مع دول التحالف قائمة على مبدأ بناء الذات بدرجة اولى اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا، ما يعزز قوتنا السياسية، بالتالي يساعد في مواجهة كافة التحديات، وهو ما نلمسه من خلال رؤية 2030 حيث نعتمد على بناء قوة ذاتية لا تعتمد على الغير بل تحرص على الحفاظ على قوة العلاقات مع الدول الحليفة والمؤثرة»، مشيرا إلى «أن الموقف من ايران ابرز ما تلتقي فيه وجهتا نظر السعودية وامريكا، في ظل إدارة الرئيس ترامب الهادفة لتحقيق المزيد من الاستقرار بالمنطقة والوقوف في وجه التمدد الايراني في المنطقة». وعن اليمن قال العصيمي: «واشنطن دعمت ولا تزال تدعم قوات التحالف»، مبينا «أن في الوقت الراهن الأمور تسير بشكل افضل بالنسبة لقوات التحالف بالمقارنة عن الوضع في عهد الرئيس اوباما بتغير الموقف الامريكي من نظام ايران الذي يحتاج مزيدا من الضغط لتحقيق السلام في المنطقة». ولفت المستشار الإعلامي إلى ضرورة العمل على تقوية الآلة الإعلامية للمملكة، بقوله: «لدينا ضعف في آليات مخاطبة الرأي العام الامريكي، وهذا ما يدعو لتخصيص مشروع يتبنى هذا الأمر، ويجب علينا التفكير جديا في صناعة الاعلام الحقيقي الذي يعتمد على الفعل وليس ردة الفعل، والأمل اليوم مع وزير الاعلام الجديد ليتبنى مشروعا مماثلا». عبداللطيف الملحم الملحم: ترامب صاحب نظرة ثاقبة وخبرة واسعة من جانبه، تطرق الملحم للعلاقات السعودية الأمريكية، مشيرا إلى «أنها بدأت منذ زمن بعيد»، مستشهدا بموقف الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي كان له قراءة ثاقبة خلال الحرب العالمية الثانية مع دول الحلفاء والمحور وحماية المنشآت النفطية وكانت له مواقف لها تأثيرها الوقتي وكذلك التاريخي في قوة العلاقات السعودية الأمريكية؛ كونها دوما الشريك الاستراتيجي والجدير بالثقة بأي تعهد تلتزم به، ناهيك عن مكانة المملكة سياسيا ودينيا، وأضاف: «ما حصل بالتزامن مع إدارة اوباما من فراغ سياسي بالمنطقة كان له تأثيره على العلاقة بين السعودية والولاياتالمتحدة، ولكن اليوم مع الرئيس ترامب وبعد ان فاجأ العالم بأن تكون محطته الأولى للسعودية، فهذا يعد دليلا آخر على درايته بقوة وأهمية هذه العلاقة». وقال الكاتب السياسي: «بعد تولي ترامب الرئاسة تغير موقف الادارة الامريكية بخصوص سوريا، ولعل الضربة الامريكية بعد مجزرة الاسلحة الكيماوية التي ذهب ضحيتها كثير من الاطفال، لا شك انها تمثل رسالة قوية جدا»، وبين «أن الجميع يترقب ما يخص المناطق المعزولة، ومعلوم أن امريكا لا تنوي التصادم مع روسيا، لكنه ليس هناك ما يمنعها من تحقيق اهدافها». وأوضح الملحم الحاجة لأسابيع على اقل تقدير بعد انتهاء زيارة ترامب للمنطقة، ليتضح الموقف الامريكي من سوريا، ومن الوضع اليمني، فالكل يترقب الكثير من الاجابات على العديد من تلك التساؤلات، واستدرك قائلا: «امريكا ترى دائما ان السعودية هي شريك استراتيجي تستطيع الاعتماد عليه، فمتانة العلاقة التاريخية بين البلدين لن تتغير بهذه السهولة». د. سعود العماري العماري: إعادة التحالف بين السعودية وأمريكا أمر جوهري بدوره قال العماري: «لعل موضوع التبادل التجاري هو الأبرز في العلاقات السعودية الامريكية، وبلغة الأرقام بلغ في 2016 حجم التبادل التجاري بين البلدين 30.6 مليار دولار»باستثناء النفط«، وهذا يبين ان الميزان التجاري لصالح الولاياتالامريكية ولكن باحتساب الجانب النفطي يميل الميزان لصالح المملكة»، وأضاف: «على المستوى السياسي قد تكون العلاقات بدأت منذ لقاء الرئيس روز فيلت مع الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- ولكن القصة تعود للعام 1933 حينما رصدت فرقة البحث الجيلوجي في البحرين عبر المناظير منطقة الظهران التي بدت عليها علامات تشير لوجود بترول، وبعدها زاروا المنطقة وتواصلوا مع الجانب السعودي، اي أن العلاقات بدأت في العام 1933». وأوضح مستشار القانون الدولي «أن المملكة لعبت دورا محوريا في الحرب العالمية الثانية لامتلاكها الطاقة والبترول في ذلك الوقت، وكانت مصدر الوقود والمزود للحلفاء، وهو الامر الذي زاد من مكانتها وعززها عند حلفائها، وتزامن ذلك مع تغيير الاسطول البريطاني من بخاري إلى وقودي ما زاد من كفاءتها»، لافتا إلى «ان هذا التطور كان مفصليا في العلاقات السعودية مع امريكا وبقية الحلفاء». ووصف العماري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلا: «الكثيرون راهنوا على عدم قدرة ترامب للوصول لنهاية السباق، ولكنه أثبت العكس، فهو سياسي مخضرم وله خبرات واسعة لا يستهان بها، وهو صاحب نظرة ثاقبة، خاصة في الامور المتعلقة بالصفقات الناجحة كونه رجل اعمال ناجح، وبعد اطلاعه على الملف الايراني وجد انه من الاصلح عدم التعاون مع دولة راعية للارهاب، ليتجه بالمقابل في التركيز على الحليف الاستراتيجي وصاحب المواقف الثابتة وهو المملكة العربية السعودية، التي احترمت كافة العهود والاتفاقيات سواء الاقتصادية او الامنية وغيرها مع كافة حلفائها، ولعل ترامب يخلص الى ان اعادة التحالف بين السعودية وامريكا امر جوهري يقوي من المصالح المشتركة خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، والآن هناك حديث عن استثمارات بمليارات الدولارات خلال السنوات القادمة بين البلدين». وأشار المستشار الدولي إلى «أن ابرز نقاط الالتقاء حاليا بين المملكة والولاياتالمتحدة هي مكافحة الارهاب، والقضاء على ميليشياته، فدعم امريكا لقوات التحالف يعزز ذلك الموقف». وفيما يخص قانون «جاستا»، أكد العماري «أن المصالح المشتركة بين البلدين ستضرر»، وشدد على ضرورة «إعادة النظر في وضعه الحالي»، وأضاف مستشار القانون الدولي «كما يجب ان لا نغفل الجانب القانوني المرتبط بأبنائنا السعوديين فاختلاف الثقافات يجعلنا ندعو بضرورة تفعيل المزيد من التثقيف والتوعية بطبيعة الحياة والثقافة والقوانين الامريكية خاصة للعازمين السفر لفترات طويلة للولايات المتحدة، ويجب الا نغفل جهود البعثة الدبلوماسية السعودية في امريكا والتي نأمل منها المزيد من التفعيل بشأن هذه القضايا، والنظر في مقترح انشاء مؤسسة خاصة تكون شركة اعلامية دولية تتبنى هذا المشروع بالتعاون مع المهتمين والمعنيين في عوالم الاعلام والثقافة والتجارة والقانون». أدار الندوة: بندر الورثان ضيوف الندوة: ¿ محمد العصيمي مدرب ومستشار إعلامي ¿ د. سعود العماري محام ومستشار قانون دولي عبداللطيف الملحم كاتب رأي المتحدثون أكدوا عمق التحالف السعودي الأمريكي