من منا يعرف كيف يبدو شكل طن من الغذاء؟ ماذا عن مليون طن؟ أو حتى مليار طن؟ تخيل حجما كهذا صعب ولكننا لم ننته بعد من محاولة تخيل الأحجام لأن ما أود أن تتخيلوه بالفعل هو 1،3 مليار طن من الغذاء. هذا هو حجم الغذاء الذي يهدر سنويا على مستوى العالم. حسب تقرير لمنظمة الأممالمتحدة 2013م فإن ثلث الطعام الذي ينتج عالميا يهدر ليصل إلى مكبات النفايات. وتقدر الخسائر المالية لهذا الهدر ب750 مليار دولار. والمحزن أنه مع كل هذا الهدر تكثر مواقع المجاعات. إحدى المشاكل الكبيرة التي توليها الأممالمتحدة والحكومات حول العالم أهمية كبيرة هي الأمن الغذائي ومع تزايد أعداد السكان فإن الحل ليس في زيادة إنتاج الغذاء بل في التقليل من هدره. يحدث الهدر في مرحلتين: مرحلة الإنتاج ومرحلة الاستهلاك وهذه الأخيرة هي ما تعنينا، كوننا من يتحكم بها وكون الهدر هنا يفوق هدر الإنتاج بمراحل. في السعودية تقدر قيمة هدر الغذاء يوميا ب 134 مليون ريال وتأكدوا أن هذا الرقم ليس به خطأ مطبعي ولا تنقصه فاصلة. عدا الخسائر المادية فإن الضرر البيئي لهذا الهدر ضخم وتترتب عليه تكاليف عالية للتخلص من النفايات وهكذا تتضخم المشكلة ونتحمل تكلفتها أكثر من مرة. إن تساءلنا عن الحلول فهناك البديهي منها مثل تقليل ما نشتريه أو نطلبه من المطاعم. أصبح الناس الذين يأخذون معهم فائض الطعام من المطاعم في تزايد كظاهرة إيجابية، إلا أنها ما زالت ترتبط في أذهان البعض على أنها شيء مخجل. أما بالنسبة للمآدب والبوفيهات فعلينا بحفظ النعمة من خلال التعامل مع جمعيات مثل «إطعام» التي توصل فائض الطعام للمستفيدين. علينا أن نبدأ بتجريم هدر الغذاء لأن الأمر لا يتعلق بحرية شخصية وقدرة على الشراء بل الأمر يتعدى ذلك للإحساس بالمسؤولية بأن المجتمع بأكمله يتضرر من الهدر كون الموارد محدودة ومن حق الجميع الاستفادة منها بشكل مسؤول. أعجبتني بادرة مجتمعية في عاصمة النمسا «فيينا» وهي ثلاجات موزعة في 19 موقعا في المدينة، يحق للجميع استخدام هذه الثلاجات حيث يمكن لأي شخص أو مطعم أو محل أن يضع فيها فائض الطعام ويمكن لأي شخص مهما كان حاله أن يستفيد منه مجانا. فاز هذا المشروع على مستوى منطقة ودعم بمبلغ بسيط سمح له بالنجاح. تخيلوا معي لو أن لدى الجوامع فقط ثلاجات مثلها. كم من الغذاء يمكن أن يجمع وكم من المستفيدين سوف نجد؟ إن رأينا أن في ذلك خيرا نرى كذلك أنه قد يحرج من يستخدم ما يوضع فيها وهنا مشكلتنا الأساسية وهي الخوف من العار فهل نستطيع أن نتخطى ذلك لهدف أكبر وأسمى؟ هل نستطيع أن نرى أناسا يستفيدون منها دون أن نحكم عليهم؟ إن الإسراف في نعم الله ليس مدعاة للفخر، وتعزيز ثقافة الاقتصاد في الاستهلاك ضرورة. مجتمعنا يعيش التناقض ما بين مطلب إكرام الضيف واستنكار الهدر وما زال علينا إيجاد حلول مقنعة. ومع شهر الصيام على الأبواب والهدر الواضح الذي لا يمكن إنكاره في كل بيت لعلنا نتذكر أن المبذرين إخوان الشياطين.