سافرت في سموٍ بكل أجواء العز والفخر.. طاف بي شريط الذكريات بكل لقطاته المشرِّفة من الأبيض والأسود.. حتى الألوان وما بعدها! صورة ملحمية بين قائد الوطن وشاعر الوطن، أيقظت فينا أسمى المعاني وأفخم المشاهد الوطنية التي لطالما توهجت معها الأرواح والتهبت معها الكفوف وصدحت بها الحناجر.. فكما عهدناه شامخا كشموخ وطنه وهو يتغنّى به ردحا من الزمن، أتى يتهادى - لتكريمه - كالجمل الأورق بين يدي خادم الحرمين الشريفين إبّان تشريفه - حفظه الله - حفل جائزة مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل. خلف بن هذال الحافي العتيبي، عاش في ذاكرة الأجيال شاعرا للوطن لا يشق له غبار، اجتاز نمطية الأداء الإعلامي ليصل بصوته وشعره وأدائه وكاريزما حضوره بوطنه لآفاق أبعد مما يُتصوّر، اختص بأسلوب إلقائي منبري متفرّد اعتبر بعد ذلك منهجا عُرف باسمه «أسلوب خلف».. في شعر المناسبات... أنا اشهد انك.. تستحق الرياسة وأنا اشهد إِنَّكَ يا ابو متعب صتيمه بيت شعر عام 1384ه من قصيدة أثناء حفل تخريج الدفعة الأولى للحرس الوطني كانت البداية للانطلاق لتبوء صدارة شعراء المناسبات الوطنية التي امتاز بها بين يدي ملوك المملكة العربية السعودية ولأكثر من نصف قرن من الزمن.. تعددت الألقاب بين شاعر «الملوك، الوطن، الخليج» لقصائده الجزلة التي شرفت بمناقب الملوك ودورهم الريادي الوطني والقومي والإسلامي.. خاطب الوطن وتغنّى بأمجاده.. فمما قاله بين يدي الملك خالد رحمه الله.. أتذكر تلك اللحظات صوتا صداه في أذني، خلف العتيبي بيقول قصيدة.. الجميع حول التلفاز آذان صاغية.. هب النسيم وغرّد الورق تغريد والذاريات العود الازرق نسمها اليوم عيد وكل يومٍ لنا عيد وفي كل عيدٍ فرصةٍ نغتنمها حتى يصل إلى: إن ما وقفنا في نحور الأضاديد رحنا طعام اللي تحذّف احزمها نعم إنه شاعر الوطن الكبير الذي استقرأ توجه قيادته اتجاه أشقائهم وبفراسة البدوي المحنك والأحداث في أزمة الخليج الثانية والعدوان على الكويت.. فقال في بداية الغزو على الكويت واجتياحها الغاشم.. يالله بامانك من النكبات تامنّا والدار بحماك تمّنها وتامنها لاوامر القايد الأعلى تمثّلنا ارواحنا في سبيل الله نعربنها وفي ثنايا هذه القصيدة دبّج بعض أبياتها بوعد الملك فهد - رحمه الله - لأمير الكويت الشيخ جابر - رحمه الله - فأطلق الشّعِر رصاصاً وثار به حمماً: يا شيخ جابر لك الله ما تهاونّا الفهد يكّد لك العوده ويضمنها يا شيخ والله زعّلك اليوم مزعلنا والمهزله والمهونه ما نواطنها ابشر بنصرٍ يشيّد فوق ويبنّا بايدي رجالٍ محكحكةٍ معادنها وفي مرحلةٍ أخرى من الأزمة التف الخليج حول السعودية مشاركا ومتابعا لمرصد الحقائق الشعري خلف بن هذال الذي أوحى للمتابع بما هو قادم... يالله يالله فزعتك يا رحيم ويا ودود يا كريمٍ عند دفع المصايب تسألا يا وطنّا يا وطنّا عمت عين الحسود لا يهمك لا زوابع ولا غدر اعملا وقعة زلزالها مثل زلزال الرعود في نهارٍ فيه صُم الرمك ترمي الفلا هكذا عاش فينا هذا الشاعر العملاق رمزاً وطنياً احتفى به واحتفينا به، جدد في ذائقة المتلقي من خلال الجذب الحماسي المفردات التقليدية الأصيلة والمعاني الثقيلة والبناءات الشعرية الموازية. رسم لمن بعده محددات الطريق في كيفية الإلقاء الشعري من خلال الحضور ونبرة الصوت وأسلوب التشويق ومهارة الحفظ وسلاسة الطرح الشعري. احترم المتلقين بمختلف المستويات فقال: عيون الرجال حراب! وفي ذلك دلالة قوية على الحرص على كل ما يقدمه.. ابن هذال أحيا ما يسمى الحوليات كنوع شعري مواز كاد يُنسى في مشاركاته في محفل منى السنوي والذي ابتدأه عام 1385ه أمام الفيصل - رحمه الله - ومشاركته في حفل افتتاح مهرجان الجنادرية... أكرمنا هذا الرجل بالتغني بمشاعرنا حبّاً لهذا الوطن المجد وولاءً لولاة الأمر الأمجاد، ازددنا بأشعاره لُحمةً، استشرفنا من خلاله توجهات بلادنا، شاركنا آلامنا وآمالنا فكتب الشّعِر في هموم المواطن واحتياجاته.. كانت هذه قطرات من محبرة الذكريات وإلا فالشاعر الكبير خلف العتيبي لا يُحتوى بمقالٍ صحفي ولا يُحاط بقصيدة شاعر.. خلف بن هذال.. شاعرٌ خالد، تغنّى بوطنه شرفاً فاحتفت به القيادة تكريماً وتغنّت به الأجيال حبّاً همسة لقاء آمل أن ألتقيه قريبا لأرتوي وأروي ظمأ الساحة الأدبية الموازية لثقتي بأن البحر لا يزال يزخر بأندر اللآلئ. صدى الصوت مما ثبت في ذاكرتي للشاعر، قوله وفي ذلك توجيه مني للشعراء: الشّعِر سبك وحبْك معنى وتجزيل أسبك بيوت الشّعِر واحبك عددها