كثير من النقاش الذي يدور حول الإدارة هو نقاش لفظي عقيم.. لا يهم أن تكون الإدارة علمًا أو فنًّا، فالفرق بين العلم والفن مسألة تتعلق بالتعريف أكثر من تعلقها بالجوهر.. ولا يهم أن يولد الإنسان إداريًّا، أو يكتسب المقدرة الإدارية من التجربة، فما يعنينا هو النتيجة النهائية. ولا يهم أن يكون الإداري واسع الثقافة أو متوسطها، فالموضوع لا يبدأ وينتهي بالثقافة.. ولا يهم أن يكون الإداري هادئ الأعصاب أو متوترها، سمح الأخلاق أو شرسها، ثقيل الظل أو خفيف الدم، محبوبًا أو مكروهًا، فكل هذه صفات تهمّ الإنسان ولكنها لا تهم الكائن، الإداري. لا يهم عندما يتعلق الأمر بالقيادة الإدارية سوى الإداري. لا تتوقع وأنت تنوي قراءة كتاب «حياة في الإدارة» للدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) أنك ستقع على كتاب مملوء بالمصطلحات الإدارية الأكاديمية أو العلمية وما شابهها!. بل سينثر لك الكاتب عبر هذه الورقات فائدة من نوع مغاير ومختلف ومشوق عن الإدارة من منظور آخر ستكتشف على إثرها أن حياة هذا الرجل زاخرة بالأحداث الكثيرة والكبيرة! «حياة في الإدارة» كتاب أشبه ما يكون مزيجًا بين السيرة الذاتية والتجربة الإدارية لغازي القصيبي، يتناول سيرته منذ مراحل التعليم الأولية وحتى قرار تعيينه سفيرًا في لندن عام 1992، يعتبر من أبرز مؤلفاته. يروي المؤلف تجربته وطريقة إدارته المناصب التي تولاها، ويحكي بعض المواقف والطرائف والعقبات التي واجهته، ويستخلص منها بعض التوجيهات للإداريين عامة والشباب خاصة. في البداية يتكلم عن فترة الدراسة وفكرة السلطة واستخدامها ومشاكل الروتين والبيروقراطية في العمل الحكومي ويعرج على معضلة الفساد الإداري والمالي. يدخلنا في مقارنة عبر هذا الكتاب بين روتين الدراسات العليا في امريكا والوطن العربي، ثم يستعرض بعدها لتجربته في التدريس وعلاقته بالطلبة بأسلوب مشوّق وممتع، ثم يأخذنا معه حين تدرج بالمناصب من محاضر ثم أصبح عميدا للكلية ثم مدير للسكك الحديد ثم وزيرا ثم سفيرا في مملكة البحرين، ستلمس في هذا الكتاب مدى تواضع الرجل وحسه الفكاهي وذكائه الواضح، وبالرغم من وجوده في عدة وظائف بعضها بعيد عن مجال دراسته الا انه كان يدرس ويجمع المعلومات الكافية لفهمها! بل كان لا يترك مجال القراءة والكتابة والشعر رغم الكم الهائل من العمل المحيط به. أنت لا تقرأ في هذا الكتاب أقوالا وأفعالا، بل تطلع على المنطق الذي وراء الفعل والقول، فتدرس آلية اتخاذ القرار التي هي أهم ميزة من مميزات القيادي الناجح.