إذا وجدت من لا يتحمس للحديث عن النهايات، مثل نهاية عصر التلفزيون التقليدي وبدء عصر اليوتيوب، ونهاية عصر القلم وبداية عصر ال «كيبورد»، أو الحديث عن «المسمار الأخير» في نعش الكتاب الورقي، فلا يعني ذلك أنه «دقة قديمة»، وإنما يعني أنه لا يميل إلى مثل تلك الاستنتاجات المتسرعة. الآن، وقد جاء دور الحديث عن نهاية الكتاب الورقي، أجد نفسي مترددا في الانسياق وراء تلك القناعة. لأني كلما عثرت على كتاب إلكتروني «دسم» قمت بتحويله إلى نسخة ورقية لأستمتع بقراءته، تماما كما أستمتع بقراءة رسالة مكتوبة بخط اليد أكثر من متعتي بقراءة رسالة إلكترونية. يُؤنسِنُ الناقد في (واشنطن بوست) مايكل دِردا الكتب الورقية حين يقول: «للكتب على الرفوف حضور في حياتك. هم جزء من وجودك اليومي. يذكرونك، يعاتبونك، وينادون عليك». والمغري في الكتاب الورقي أنه يتيح للقارئ تدوين ما يشاء من ملاحظات على الهامش، وتظليل بعض الفقرات، ووضع إشارة عند الجمل المهمة. غير أن هذا الافتتان بالكتاب الورقي، لا يرجح كفته على نظيره الإلكتروني. مع ذلك، فإن الحديث عن نهاية الكتاب الورقي سابق لأوانه. صحيح أن التكنولوجيا الحديثة قد جعلت الحياة أسهل من ذي قبل، وصحيح أيضا أن هنالك أدوات ومعدات اختفت من حياتنا لأنها بدائية وغير عملية. غير أنه لا يمكن تعميم هذه القاعدة على كل شيء. لست كذلك مع أولئك الذين لا يرون مستقبلا للكتاب الإلكتروني، ويعتبرونه مجرد «موضة» عابرة. فهذا ضرب من الوهم لا يقره الواقع. فقد وجد الكتاب الإلكتروني ليبقى. نعم، هنالك من يربط بين هذا الرأي وارتفاع السعر، وتراجع مؤشر المبيعات، وتعرض القارئ للإشعاعات المنبعثة من الشاشة، وتشتت انتباه القارئ أثناء القراءة، وضعف القدرة على التركيز. لكن تلك الملاحظات لا تحظى بالإجماع. إذ يرى جمهور الكتاب الإلكتروني أن تراجع مؤشر المبيعات لا يعود إلى عزوف القارئ عن الكتاب الإلكتروني، بل إلى تراجع أعداد القراء بشكل عام لأسباب ومغريات أخرى، أو لأن كثيرا من القراء يستطيعون تحميل الكتاب الالكتروني بالمجان. لا أميل إلى حديث النهايات والمسامير والنعوش، ما دام بالإمكان أن يتواجد القديم والجديد، وأن يتجاورا، وأن يكمل بعضهما بعضا. وما دام في القديم مزايا تؤهله للبقاء. لكن هنالك دائما من يحمل مسمارا في يده ليدقه في نعش شيء ما. وللحديث بقية.