ترتاد نسبة من السعوديين الأعمال العصامية أو ما يعرف بالأعمال الريادية بمختلف مجالاتها الصناعية والتجارية والخدمية، وذلك منذ عقود طويلة، حيث أصبحت مصدر رزق للرياديين المبادرين وأسرهم ومن يرغب في العمل معهم من السعوديين في هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقد برزت شركات عائلية سعودية عملاقة وأصبحت عابرة للقارات بعد أن كانت صغيرة في مجالاتها وجغرافيتها، فقد كانت نشاطاتها لا تتجاوز قرية أو مدينة سعودية أو منطقة إدارية. ولقد كانت الفرص والبيئة مناسبة لتأسيس الشركات الصغيرة من حيث سهولة الإجراءات وقلة عدد المنافسين وتوافر الحماية الحكومية التي انتهت تدريجيا منذ اكثر من عقد بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2005م. أما اليوم فتعاني نسبة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة من عدة نقاط ضعف استراتيجية في نواح عديدة ما يحد من مساهمتها في التنمية الشاملة وبالتالي يضعف تأثيرها في المشاركة الفاعلة لتحقيق أهداف الرؤية 2030 التي من اهدافها تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة، حتى ترتفع نسبة مشاركتها في الاقتصاد الوطني لتصل إلى حوالي 70% لتتقارب من نظيراتها في الدول المتقدمة. وتتعدد هذه التحديات لتشمل الإجراءات والتراخيص والهيكلية والرؤية والرسالة والضعف في الوظائف الإدارية مثل التخطيط والتنظيم والقيادة والتحكم التي تعد أساسية في نجاح ونمو وتوسع هذه الشركات. تواجه الشركات السعودية بشكل عام مشكلة التستر التجاري، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة لأنه يحد من ايراداتها وربحيتها ونموها في الاجلين القريب والبعيد. تمثل المنشآت الصغيرة والمتوسطة حوالي 93% من إجمالي المنشآت التجارية المسجلة في المملكة، وبالرغم من هذه النسبة العالية فإن مشاركتها في إجمالي الناتج الوطني لا تتجاوز أكثر من 33% بينما مشاركتها في الصادرات حوالي 4% فقط، ومساهمتها في استيعاب العاملة الوطنية أيضا 4% فقط. وأظهرت إحصائيات الغرف التجارية في المملكة أن عدد السجلات التجارية التي تم شطبها في المملكة يصل إلى 54864 سجلا تجاريا لعام 2015م، حيث كانت نسبة الشركات الصغيرة منها حوالي 60%.. وتجدر الإشارة الى أن نسبة كبيرة من الشركات الصغيرة تتوقف عن مزاولة نشاطها في السنة الأولى من التشغيل بسبب الفشل في تحقيق الأرباح وعدم القدرة على التمويل الذاتي. ولأهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة فقد ركزت الدول النامية الجهود عليها، حيث شجعت على تأسيس الصناعات الصغيرة والمتوسطة ودعمها مالياً، وذلك لأنها أثبتت قدرتها وكفاءتها في معالجة المشكلات الرئيسية التي تواجه الاقتصاديات المختلفة. ويعد النموذج الماليزي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أنجح التجارب في الدول النامية. وعلينا أن ندرك أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في نمو الشركات الكبيرة؛ لأن الأولى تصبح زبونا للأخيرة من حيث المواد الأولية التي تنتجها الأخيرة، وكذلك الشركات الكبيرة تصبح زبوناً لمنتجات الشركات الصغيرة والمتوسطة. وإذا كان أحد أهداف رؤية 2030 دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتشارك بفاعلية وكفاءة عالية في تحقيق الرؤية 2030 وتساهم بنسبة قريبة من نسبة مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدول المتقدمة، وذلك في إجمالي الناتج المحلي فإنه من الأجدر تسهيل الإجراءات والعقبات العديدة التي تعرقل نموها ومشاركتها في المملكة في الاجلين البعيد والقريب، لكن الرسوم المتزايدة والإجراءات الحكومية المتسارعة لا تخدم جانب الدعم والنمو والتوسع لهذه الشركات، بل تساهم في خروج العديد منها من السوق الاقتصادية السعودية ما يزيد من نسبة البطالة وتراجع مشاركتها في إجمالي الناتج الوطني الذي يعد أحد أهداف الرؤية 2030. والمؤكد أن نسبة الانكماش والركود الاقتصادي وزيادة معدل البطالة ستزيد بين الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع مواجهة التحديات الاقتصادية والحكومية والمالية القاسية في السنوات القادمة، خاصة قبل المدة المستهدفة من التحول في عام 2020م. يؤثر التستر التجاري في تعثر الشركات الصغيرة والمتوسطة من حيث النمو والأرباح والمنافسة، لذلك من الاهمية عمل ما يجب لملاحقة المتستر والمتستر عليه لخلق بيئة استثمارية عادلة ومنافسة وشفافة ومربحة للشركات الصغيرة والمتوسطة.. إن للتستر التجاري سلبيات كثيرة منها زيادة معدل البطالة بين المواطنين، وهجرة نسبة من إجمالي الناتج المحلي خارج المملكة وضعف صرف الريال امام العملات الأجنبية والهروب من الرسوم والضرائب على المتستر والمتستر عليه ما يضعف ايرادات الدولة ويساهم في عدم الافصاح عن دور الأعمال التجارية المتستر عليها في اجمالي الناتج المحلي والتوظيف والصادرات والواردات التجارية. ويعتبر التمويل من المشاكل التي توجه الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تتخوف البنوك من مخاطر عدم قدرتها على تسديد القروض، وذلك لعدم توفر الضامن، ناهيك عن ضعف إدارة وملاك الشركات الصغيرة والمتوسطة في الوظائف الإدارية الأساسية مثل التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة وقياس الأداء والتدريب والتطوير. نسبة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة ضعيفة في مجالات التسويق والمعلومات والإنتاج ما يجعل البنوك تتخوف من تمويلها. لا بد من الإصلاح الهيكلي والإداري والوظيفي في الشركات الصغيرة والمتوسطة بالاضافة إلى التمويل المناسب لنموها. واذا تم اصلاح نقاط الضعف والرسالة والرؤية للشركات الصغيرة والمتوسطة فإن ذلك سيكون دافعا ضامنا لحصولها على التمويل من البنوك إذا رأت إداراتها مهنية وحرفية الإدارة في الشركات الصغيرة والمتوسطة. إن لهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة دورا كبيرا في توجيهها في نواح كثيرة تساهم في تطويرها، وكذلك تخفيف الضغوط الإجرائية والرسومية الحكومية لتستطيع الاعتماد على نفسها لتساهم بعد نموها في التنمية الاقتصادية الشاملة في مرحلة تستطيع فيها دفع الرسوم والتكيف مع الإجراءات والتنظيمات التي تنطبق على الشركات الكبيرة القادرة على المنافسة والاستمرار. الخلاصة أرى أهمية دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة مالياً وإعفاءها من الرسوم واصلاح الهيكلة والإدارة ومشكلة التستر التجاري لتستطيع النمو والمنافسة والاستمرار في هذه المرحلة الحرجة التي تواجه الاقتصاد الوطني لأن الرسوم ستؤدي إلى إفلاس نسبة كبيرة منها ما يؤدي إلى فقد عدد كبير من المواطنين وظائقهم وبالتالي ترتفع نسبة البطالة وتتراجع مشاركتها في إجمالي الناتج الوطني.