نستطيع وضع فرضيات عديدة عن أسباب الغموض في قصيدة النثر، لكن متى ما استوعبناها كظاهرة عالمية ملغزة يصبح الحديث حينها مركزًا على الإنسان بتعقد هويته وغموض عالمه كأحد العوامل المهمة في نشوء هذه الظاهرة. هي أشبه ما تكون بفوضى وجودية ألقت بثقلها على الإنسان المعاصر وتمظهرت على شكل قلق وأسئلة، ولم تحاول القصيدة الحديثة سوى أن تضاعفها وتراكمها في النصوص الشعرية. ف «جيمس تيت» في نصه «قصيدة نثر» كما ترجمها الشاعر عبدالوهاب بوزيد، يعبر فيها عن ذلك القلق بكثير من الحنق، ويتفاجأ بأن القصيدة تنطق بالفوضى عندما ينظر إليها من بعيد، ويجدها وقد أصبحت حاضنة للكثير من المشاكل العاصفة حيث يختلط فيها اليومي بالوجودي وتنأى عن التفكيك والتعقل. بل تصبح كابوسًا فنتازيًا ممعنًا في الغموض والغرابة: «إنني مُحاطٌ بقطعِ هذه الأحجية الضخمة: هاهنا قطعةٌ أسميها زوجتي، وها هنا قطعةٌ غريبةٌ أسميها الإداناتِ، وهاهنا الأعرافُ، وهاهنا الصدامات، والحرائق الهائلةُ، والتهاني. يا لها من أحجيةٍ! أحبُّ أن أزيّتَ كل القطعِ وأكومها في وسطِ القبوِ بعد أن ينامَ الجميعُ. ثم أقفزُ متوجهاً برأسي أولاً مثل غطّاسٍ صوبَ الفوضى البائسةِ». بعدها تجتاح الشاعر مشاعر الغيظ على نفسه وعلى الثقافة التي وضعته في إطار هامشي ولم تزوده بأجوبة حقيقية تهدئ من روحه المتشظية. ويتمثل زوجته كشبح فلسفي يدعي الحكمة ليسهل عليه مجادلته والصراخ في وجهه حتى يدافع عن شعور الخيبة والعبثية في الوجود: «أركلُ بشدةٍ وأخنقُ بعضاً من القطعِ، وأعضُّها، باصقاً ومزمجراً مثل نمسٍ. حين أستيقظُ في الصباحِ، يَكُونُ كلُّ شيءٍ معدّاً! زوجتي تقولُ إنها لن تُرى ميتةً حينَ البعث البدائي. وأنا أقول إنها ستفعلُ».