في ظل ارتفاع نسبة الضرائب في بريطانيا طرأت فكرة فريدة من نوعها على طالب صغير من أب مزارع يبلغ من العمر 14 سنة، إذ قام بعمل ملصقات تذكيرية بمواعيد تجديد الرخص والضرائب لتفادي الغرامات على السائقين وانطلق للتسويق لها عبر الإنترنت. هذا المشروع ببساطته وقلة تكلفته لقي إقبالا هائلا جعل صاحبه العصامي هارفي ميلينغتون أصغر مليونيرا بريطانيا بثروة بلغت 2 مليون جنيه إسترليني. هارفي الصغير أدرك يقينا أن التفرد يتطلب أن يكون الإصدار الأول من نفسه لا أن يكون نسخة مكررة من الآخرين. تشهد السوق المحلية مؤخرا زيادة المستثمرين الشباب الذين قطعا يسهمون في تعزيز الاقتصاد الوطني، لذا تقوم وزارة التجارة والاستثمار بدعمهم من خلال عدة مبادرات لتنميتهم واستدامة مشاريعهم كونها بذورا لمشاريع كبيرة. إلا أن بعضها لا تعدو عن كونها نسخا مكررة في نشاطها ومنهجياتها مما يؤثر سلبا على نتائجها ويعجل في خروجها مبكرا. حديثي اليوم يرتدي قبعة المستهلك، ويبصر بعين الراصد من زوايا مهمة أولها أهمية أصالة الفكرة في ظل تواجد شريحة كبيرة من المشاريع الشبابية ضمن مساحة ضيقة من السوق، وذلك يستوجب الدراسة المستوفية للسوق وتطبيق آليات التفكير الاستراتيجي للوصول إلى خيارات وبدائل استراتيجية متعددة. وما نلحظه في بعض المشاريع الشبابية التركيز على إخراج الفكرة وليس نوع الفكرة ذاتها، الأمر لا يتعلق بالديكور وبيئة الخدمة فحسب بل نشاط المشروع وفكرته أولا. وذلك لا يقل أهمية عن الميزة التنافسية التي تجعل المشروع فريدا وتجربة العميل له لا تنسى، ففي يوم من الأيام كنت في أحد المقاهي ولاحظت وجود عدد من العملاء الصم. هذا المقهى عمل بفكر ذكي لتأهيل الموظفين على لغة الإشارة، ووضع أجراسا مخصصة من أجل تجربة نوعية ترتكز على استهداف عملاء جدد قلما يتم تخصيص خدمات لهم. تركز نظم الجودة على العملاء والتأثير عليهم، حيث كانت تسعى في بداياتها لتحقيق رضا العملاء ثم تطورت إلى إسعادهم، ومع ارتفاع التنافسية قفزت إلى إبهاء العملاء من خلال عناصر الجذب التي تتجاوز توقعاتهم وهذا ما نحتاجه كمستهلكين، نريد الإبداع والابتكار. ولتحقيق ذلك يتطلب تحليل أنواع العملاء وتصنيفهم ثم تصميم الخدمات والمنتجات وفق الاحتياج وبالسعر المنافس، وليس كما نجده من عدم التوازن بين القيمة وحجم الخدمة أو المنتج مما يسبب تسرب العملاء. أما عن التسويق فيتم عبر منهجيات ومنافذ متعددة كالمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتجمعات وغيرها كما أوضحت سابقا في مقال «ساسلنس»... اذهب إلى العميل قبل أن يأتي إليك. استهدفت بعض المشاريع الشبابية نشاط المطاعم والمقاهي والتي تقصدها الأسر نهاية الأسبوع للترفيه وتغيير نمط الحياة اليومي وليس الطعام بحد ذاته، ويتعين على الملاك وعي ذلك وترجمته في البيئة وسلوك العاملين أثناء تقديم الخدمة بدءا من حسن استقبال وتعامل وابتسامة الموظفين حتى انتقال هذه الابتسامة إلى شفاه العميل عند توديعه. وقد قال وران بفيت إنك قد تستغرق عشرين عاما لتبني السمعة وخمس دقائق لتهدمها، وأعتقد أن العميل هو خير مسوق للمنشأة في حال وجد ما يسعى إليه فيها. أما الجودة فهي مطلب يسعى الجميع له، لذا أرى ضرورة تطبيق معايير الأيزو الدولية مثل سلامة الغذاء وغيرها والتي تدعم التسويق لهذه المشاريع أيضا. كما ينبغي أن لا ينتهي العهد مع العميل عند خروجه من الباب، لا بد أن تمتد العلاقة من خلال برامج ولاء العملاء، ففي ممارسة متميزة قام أحد نزلاء فندق الرتزكارلتون بطلب نوع من الشوكولاتة لم يجده ضمن محتويات ثلاجة الغرفة فأرسلوا موظفا لشرائها من خارج الفندق تحقيقا لرغبته، وعندما سافر لاحقا لدولة أخرى توجه لفرع الفندق هناك وكانت المفاجأة أنه وجد الشوكولاتة المفضلة لديه في الغرفة ومعها عبارة تقول أننا نعلم أنك تحب هذه الشوكولاتة فأحضرناها لك لتستمع بها... ثلاثة ريالات كفلت ولاء هذا العميل. يقول بيتر دراكر «لا يمكن لأي مؤسسة أن تبرر وجودها لمجرد أنها تلعب دورا فعالا في المجال التجاري، بل يجب أن يكون المبرر لتأسيسها هو دورها الفعال في المجتمع»، وذلك يتعلق بالخدمات العديدة التي يمكن تقديمها للمجتمع كتخفيض البطالة وتصحيح بعض السلوكيات كمفهوم المستهلك الأخضر مثلا وكذلك التدريب وغيرها، وقد أعجبتني مبادرة أحد المطاعم بتدريب السيدات على طهو أنواع معينة من الأطعمة مما يعزز قيمة وجود تلك المنشأة في المجتمع. ختاما أقول إن المملكة وضعت ضمن أولويات استشرافها المستقبل محور الاقتصاد المزدهر الذي يقوم على عاتق المستثمرين جنبا إلى جنب مع المشاريع الحكومية في وطن تسوده فئة الشباب، ولا شك أن توجههم الاستثماري ظاهرة محمودة لتعزيز المساعي الوطنية ولتحسين المؤشرات الاقتصادية، وتبقى معادلة التفرد... أصالة المشروع وإبهار عملائه وتأثيره على المجتمع، ومن حولها وبينها للشاب المستثمر بالجودة أن يدندن.