لتحسين فرص نجاح انطلاقة الرؤية؛ من المهم تهيئة مناخ إيجابي يساعد على تحسين الإنتاجية، وعلى حفز الطلب، وعلى الاستثمار، بما ينشر الحماس والثقة والأمل، فيتحمس من يَعمل ليُنتج، ويثق صاحب الدخل لينفق ويستهلك ويَدخرّ، ويستبشر صاحب الأعمال ليستثمر أمواله في مشاريع جديدة ويتوسع في مشاريعه القائمة، بل أن الروح الإيجابية والأمل يدفعان الشباب للانخراط بوتائر أعلى في الريادة والإبداع والابتكار لدخول السوق ذات المستقبل الواعدة. النمو الاقتصادي هو المحصلة، التي علينا أن ندفعها لأعلى، بمعنى أن نبذل كل الجهد لتحقيق أعلى معدل نمو. في السنوات القليلة الماضية كان نمو اقتصادنا منخفضًا، ولذا فالأولوية هي في حفزه لتحقيق مستوى أعلى من النمو. تحقيق هدف الرؤية 2030 في أن تصبح بلادنا ضمن أكبر 15 اقتصادًا في العالم من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي، يعني أن نحقق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي متوسطه السنوي قرابة 7.5 بالمائة. هذا تحد حقيقي، ليس مستحيلاً، لكن يستوجب اتباع إستراتيجية نمو توصلنا لتحقيق الهدف الطموح، والذي سيعني ازدهارًا يعم البلاد ويُسعد العباد. وعلى مدى التاريخ التنموي الحديث، أي للفترة 1970-2016 فإن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السعودي بلغ نحو 4.7 بالمائة سنويًا، مع تذبذب شديد، بين ما يزيد على 27 بالمائة اتساعًا في العام 1974 إلى انكماش بنحو 11 بالمائة للعام 1982. وخلال الربع الأخير من العام 2015 حقق نموًا قدره نحو 4.5 بالمائة، تراجع في الربع الأول من العام 2016 إلى 1.8% في الثاني إلى 1.5%، إلى 1.4% في الربع الثالث، إلى 0.9% في الربع الرابع من العام 2016. في وقت الركود الاقتصادي، كوقتنا الراهن الذي نعيش فيه، هناك مدرسة تقول أن تضخ الحكومة المزيد من السيولة، طمعًا في حفز الطلب ومنع الركود من أن يتحول إلى كساد. لنأخذ ما الذي فعلته المملكة والعديد من دول العالم المتقدم اقتصاديًا إبان الأزمة المالية العالمية، من إطلاق برامج لتحفيز النمو. فما الذي تغير الآن؟ ولما لا نطلق برنامجًا للحفاظ على الطلب؟ لا أقول أن نطلق ذات البرنامج (المضاد للدورة) بذات الزخم، ولكن على أقل تقدير فتح «الصنبور» قليلاً لحفز الانفاق الخاص، ما دام أن عجلة الانفاق على المشاريع قد تباطأت، وما دامت فرص الاقتراض للقطاع الخاص قد أصبحت محدودة وأعلى تكلفة، وأن تكلفتها تلك من المتوقع أن تزيد نتيجة لترقب زيادة على سعر الفائدة على الدولار الأمريكي! وما يبرر هذا المقترح أن «الطلب الخاص» (إجمالي ما تنفقه كل الأسر في المملكة) لوحده لن يقيم أود الاقتصاد السعودي، فهو يمثل نحو 35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك فإن الأسر تعيش - فيما يبدو- حالة توجس، وبالتالي إحجام عن الانفاق. إضافة لذلك فإن «عرض النقود» قد انكمش في الثمانية الأشهر الأخيرة في 2016، لكنه عاود الانكماش هذا العام كذلك، في شهر فبراير تحديدًا! والخوف إذا ما استمر، فقد يؤدي إلى تحسن القوة الشرائية للريال نتيجة لتراجع الأسعار وهذا إيجابي، أما المحذور فان يؤدي - إذا ما استمر- إلى التأثير سلبًا على النمو الاقتصادي. هذا المناخ الذي تناولته الفقرة السابقة، لا ينسجم مع ما تسعى الرؤية لتحقيقه من نمو وازدهار. ما العمل؟ نريد أن يُقبل السكان على اقتصادنا انفاقًا واستثمارًا، لكن المناخ السائد حاليًا يعمل في اتجاه يدفع الأسر لتقليص نفقاتها قدر الإمكان والادخار تحسبًا لأي طوارئ ومفاجآت، ويجعل القطاع الخاص يتحوط في انفاقه التجاري والاستثماري، فيحافظ على الحد الأدنى من النشاط ويؤجل قرارات توظيف المزيد (هذا إن لم يسع إلى تسريح العمال تخفيفاً للنفقات) أو زيادة السعة فلا يضخ استثمارات لتوسيع ما هو قائم أو في مشاريع جديدة. وتفسير ذلك متواتر في النظرية الاقتصادية، ومرده «شح» البيانات والمعلومات حول ما تنوي الجهات المعنية بالاقتصاد اتخاذه من قرارات. وحيث إن لا بد لتلك الجهات أن تتخذ قرارات، وحيث إن تلك القرارات ستكون مؤثرة (إيجابًا أو سلبًا)، ولذا، فالجميع ينتظر ويترقب!.