تطرقت في المقال السابق لتشكيل هيئة التحكيم، وذكرت أنَّ الأصل في تشكيل هيئة التحكيم أنَّه يخضع لحرية وإرادة طرفي النزاع، وأشرت إلى أنَّ تشكيل هيئة التحكيم لا بدَّ وأن يكون من عددٍ فرديٍّ، وإلَّا كان البطلان هو ما يترتَّب على ذلك، وتطرَّقت كذلك إلى الشروط اللازم توافرها في المحكم. واستكمالاً لما سبق ذكره، ففي حال عدم اتفاق طرفي النزاع على طريقة تشكيل هيئة التحكيم، فإنَّ النظام يسند قرار تشكيل الهيئة إلى القضاء، وهناك عدَّة حالات أوردها نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433 بشأن هذه المسألة. وأولى هذه الحالات تشكيل هيئة التحكيم من محكِّم واحد فقط: إذ قد يتَّفق الطرفان على أن تتشكل هيئة التحكيم من محكّم واحد، ولكنَّهما يختلفان على تسميته أو على طريقة تعيينه، أو أن يتمسَّك كلّ طرف بتسمية محكّم معيِّن. وفي هذه الحالة تتدخَّل المحكمة المختصة وتتولى مهمَّة اختيار المحكِّم واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك، وذلك بعد قيام أحد طرفي النزاع بالتقدُّم إلى المحكمة المختصَّة بطلب تعيين المحكم، إذ لا تستطيع المحكمة القيام بهذا الإجراء من تلقاء نفسها، عملاً بمبدأ حياد القاضي. وفي هذا الصدد نصَّت المادَّة الخامسة عشرة من نظام التحكيم على أنَّه: «1/ لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكِّمين، فإذا لم يتَّفقا اتبع ما يأتي: أ/ إذا كانت هيئة التحكيم مشكَّلة من محكِّم واحد تولَّت المحكمة المختصَّة اختياره». والحالة الثانية التي نصَّ عليها نظام التحكيم، هي تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكِّمين أو أكثر، وفي هذه الحالة قد يتَّفق الطرفان على أن تتشكل هيئة التحكيم من أكثر من محكِّم، أي من ثلاثة محكِّمين فأكثر– لأنَّ هيئة التحكيم لا بدَّ أن تتشكَّل من عدد فردي، وإلَّا كان التحكيم باطلاً– ولكن إذا امتنع أحدُ طرفي النزاع عن اختيار محكِّم خلال مدَّة زمنية أقصاها خمسةَ عشر يومًا بعد تسلُّمه إخطارًا من الطرف الآخر بلجوئه إلى التحكيم، أو في حال عدم اتفاق المحكِّمين المعيَّنين على اختيار محكِّم ثالث مرجح خلال خمسة عشر يومًا التالية لتاريخ تعيين آخرهما. ففي هذه الحالة تتولَّى المحكمة المختصة، بناءً على طلب أحد طرفي النزاع القيام بهذه المهمَّة، وذلك وفقًا لما نصَّت عليه المادة (15/1/ب). أما الحالة الثالثة التي أوردها النظام، فهي حالة عدم اتفاق طرفي النزاع على اختيار هيئة التحكيم، أو في حال وجود اتفاق بين الطرفين يتعلَّق بتشكيل هيئة التحكيم، ولكن يخالفه وينقضه أحدهما، أو أن يتخلَّف الغير عمَّا عهد به إليه، كأن يتَّفق الطرفان على تفويض طرف ثالث ليقوم باختيار وتعيين هيئة التحكيم، ولكن يمتنع الطرف الثالث عن القيام بهذا الإجراء. ففي مثل هذه الحالات تتدخَّل المحكمة المختصَّة وتتولَّى القيام بهذا الإجراء، ما لم ينصّ في الاتفاق على كيفيَّة أخرى لإتمام هذا الإجراء. وهناك عدَّة قواعد تتَّبعها المحكمة المختصَّة عند القيام بتشكيل هيئة التحكيم، بما في ذلك تطبيق الشروط التي اتفق عليها الطرفان، والشروط التي يتطلَّبها النظام، طالما أنَّها لا تتعارض مع الشريعة والأنظمة المرعية أو الصالح العام. ويجب أن يصدر قرار المحكمة المختصَّة باختيار المحكّمين خلال مدَّة زمنيَّة لا تتجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ تقديم الطلب، وذلك وفقًا لما نصَّت عليه المادة (15/3) من نظام التحكيم، حيث يهدف هذا الإجراء إلى تحقيق الغايات والأهداف المرجوَّة من اللجوء إلى التحكيم وهو سرعة الفصل في النزاعات التي تثور بين طرفين أو أكثر. وعند صدور قرار المحكمة المختصَّة بتعيين المحكّم، فإنَّ هذا القرار يعتبر قرارًا نهائيًا وغير قابلٍ للطعن. وفي هذا الصدد نصَّت المادة (15/4) على أنَّه: «مع عدم الإخلال بأحكام المادتين (التاسعة والأربعين والخمسين) من هذا النظام، يكون قرار المحكمة المختصَّة وفقًا للفقرتين (1 و2) من هذه المادة غيرَ قابلٍ للطعن فيه استقلالاً بأيِّ طريقٍ من طرق الطعن».