غالبا ما تأتي كلمة النفوذ «leverage» في سياق الأبجديات السياسية التي من أروعها نموذج عاصفة الحزم مع أنها مصطلح يتمحور في حياتنا كلها، واستخدمه علم الاجتماع التربوي كأحد المفاهيم الواسعة في التراث الإنساني، ومنذ القدم استخدمه الفيلسوف أرسطو وفولتير للتعبير عن قوة الإرداة العقلية لتحقيق الأهداف السامية، ونقصد بالنفوذ كل فرصة ضمن العلاقات الاجتماعية تسمح للشخص بتنفيذ أهدافه من غير إلحاق ضرر بالآخرين. ومن يقرأ سيرة الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» المسمى سلطان العلماء، ذلك الرجل الذي يتنفس همة وعدالة وطموحا نجد مصطلح النفوذ حاضرا، إذ يقول: «إن لي نفسا توّاقة تمنيت الإمارة فنلتها وتمنيت الخلافة فنلتها وأنا أتوق الآن للجنة وأرجو أن أنالها» فبالهمة العالية وتقوية النفوذ الذاتي للوصول للهدف والصبر يتحقق النجاح، وصدق أبو القاسم الشابي حين قال: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَدَ الدهر بين الحفرْ والواقع أن أي مشروع تجاري أو علمي أو مهني يحتاج فيه الإنسان الى أن يتعرف على مفاصل النفوذ التي يمتلكها، وما إرادة التفوق والسعي إليه إلا نفوذ في عقل الإنسان وقلبه، التي هي من سمات العظماء الذين يقرؤون مستقبلهم بشكل صحيح. فالطالب مثلا إذا حدد أهدافه وأزاح الكسل واليأس، ودفن التجارب الفاشلة وانطلق ليوقد شعلة المبادرة والثقة في النفس فسينجح، فمن يعمل لا يفشل، ومن يتسلح بالإصرار لا يرضى بأن يكون في ذيل القائمة، فلم نعرف ناجحا وضع رجلا على الأخرى، وجهل مفهوم القدر وآمن بالصدف ونجح!! بل النجاح هندسة كاملة للحياة وغربلة مستمرة للواقع. ودروب التفوق والنجاح الدراسى تبدأ بهندسة قصة نجاح ترسمها الخطة والهدف الواضح والالتزام، والالتصاق بالناجحين، ووضوح الرؤية والتصميم على صناعة درب من النجاح والتقوق، ومحاولة مواجهة الأشواك التي تعتريه، خاصة في لحظات الاختبارات التي تشكل هاجسا من الخوف والتحدي، لذا يحتاج الطالب لاستخدام النفوذ الخاص به ويتركز على ثلاث ركائز هي: «الوقت والتكنولوجيا والمال» وباجتماعها وقوتها وحسن إدارتها تشكل نفوذا قويا وبداية صحيحة لصناعة النفوذ لمسيرة ناجحة فى بواكير المسيرة الدراسية، التى تقتضي من الطالب الفهم والإدارك، التي ترفع حس المسئوولية وتعلم كيفية صناعة الأهداف والتعهدات الخاصة به. وهنا يأتي دور الأسرة والمدرسة والإدارات المدرسية لتعزيز هذه المهارات الخاصة، وتعلم كيفية صناعة الحس النقدي وتقبله، ولو علم الطالب والطالبة أن معرفته بنفوذه، وأن أيامه المعدودة تدخله معركة النجاح التي تتطلب أن يدخل هذه المعركة بنفسية المنتصر، فمن كان منهزما في البداية غير واثق في نفسه فقد فشل قبل أن يبدأ، ولتعلم أن 99% من النجاح أمل وجهد وتنظيم، فالجهد هو تسعة أعشار النجاح، والاستماع لتجربة الناجحين ونقدهم وتوجيههم. لذا من أبجديات الأمور التباين الكبير بين سلوكنا وثقافة العالم الغربي الذي كان من أسباب نهوضه التعرف على نفوذه الخاص والتصميم لتحقيق أهدافه، وفي الحقيقة أن المجتمع الغربي بكل ما قد يظن البعض من انهياره الروحي أنه قد تبوأ الصدارة القيادية لفهمه أن القوى الذاتية واستخدام نفوذه من أهم أدوات الفكر التي تصنعه. ولعل نظرة سريعة في ثقافتنا نجدها ما زالت تقلقها الموجات العاطفية الممزوجة بالتوتر المستمر من كل نسمة توجيه أو بناء، بل أصبح بعضنا ينظر للتوجيه أمر حساس وعدائي، وصار شعورنا تجاه الناقد شعورًا حادًا من أي لفظ أو كلمة يقولها، حتى أصبح متأصلا في بعض أبنائنا منذ الصغر، وإن شئت أن تقول: تربى عليه نشء الجيل المدلل، ناهيك عن غياب الجدية، وقّل ما ترى من الآباء والمعلم أو الموجه نقدا هادئا موضوعيا وتحفيزا قائما على أسس علمية عقلانية بعيدا عن التوتر والتشنج. إن الدور الآن والمهم هو التفكير في الدواء الذي يجب أن تتضافر فيه الجهات التعليمية والمراكز الفكرية بجدية، لتوفير آليات يربى عليها النشء على أصوله وآدابه لنوجد جيلا مفكرا وناضجا غير خاضع لكهنوت عرفي أو رأي شخصي قادر على تقوية مراكز النفوذ الذاتي التي يمتلكها.