وجهت وزارة التربية والتعليم ممثلة في الإدارة العامة للاختبارات والقبول جميع إداراتها في العام الدراسي 1432 ه إلى ضرورة تشكيل لجان علمية في كل إدارة، لدراسة أسباب تدني مستويات الطلاب والطالبات في اختباري القدرات والتحصيلي، ووجود فجوة كبيرة بينهما وبين نتائج اختبارات الثانوية العامة، وفي هذا العام أوصت الوزارة إداراتها التعليمية بمتابعة الجهدّ في تحسين عمليات التعلّيم ونواتج التعلّم ومستوى أداء الطلاب والطالبات في اختباري التحصيلي والقدرات بما يرفع من مستوى مؤشرات التغير الإيجابي ويُقلّص الفجوة بين هذين الاختبارين واختبار الثانوية العامة، مُزوّدة إداراتها بتقرير يتضمن النتائج الإحصائية المقارنة لنتائج الثانوية العامة واختباري التحصيلي والقدرات للعامين الدراسيين 1432ه 1433ه، نظراً لاستمرارية الفجوة بهدّف محاولة تلافيها في العام الحالي 1434ه. يقول المؤرخ آرنولد توينبي: (عندما يكون أمامك تحدّ وتكون الاستجابة موازية لذلك التحدّي فإن ذلك يُدعى نجاحاً، ولكن عندما يبرز أمامك تحدّ جديد فإن الاستجابة القديمة التي كانت ناجحة سابقاً تصبح ذات غير جدوى). وبما أننا نعمل بنفس الطريقة على مدار عامين متتاليين (1432 ه – 1433 ه) ونستمر بالطريقة ذاتها في هذا العام (1434 ه) من حيث طرق التعامل مع دراسة أسباب المشكلة ووضع الحلول المعالجة لسدّ الفجوة وترميم الخلل سواء على مستوى الوزارة أو على مستوى الإدارة التعليمية، فمن المؤكدّ أننا سوف نحصل على النتائج ذاتها (تظل تبذل جهداّ مضنياً لتتسلًق سلًم النجاح لتكتشف في النهاية أنك تستند على الجدار الخطأ) تقارير… لجان… توصيات، ولكن ما النتائج؟ لو كانت الفجوة تقتصر على بعض الإدارات التعليمية لكانت التوجيهات والتوصيات مقبولة إلى حدّ ما، ولكن أن تكون الفجوة في جميع الإدارات التعليمية، فمن غير المقبول أن تنتهج الوزارة في سعيها لتحسين عمليات التعليم ومخرجاته تلك الوسائل والأساليب التي تُبّقي على المشكلة كما هي. أرى أننا لم نتعامل مع المشكلة من جذورها، بل لجأنا إلى أسلوب إطفاء الحريق لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه ،فالمعالجة الصحيحة لا بد أن تكون من خلال التعامل مع أصل المشكلة لا أعراضها، وغالباً ما يُنظر إلى المعلّم على أنه هو المتسبب الأول في تدني مستوى الطلاب، من خلال ممارساته التقليدية لأساليب وطرق واستراتيجيات التدريس، ولكن لماذا لا ينظر إلى الإعداد التربوي والمهني الذي تلقَّاه المعلم في مؤسسة إعداده؟ فكليات التربية في جامعاتنا تُعدّ أحد أهم عوامل ضعف النظام التعليمي لأسباب عديدة منها :- – قبول خريجي الثانوية العامة من ذوي النسب المتدنية. – مقررات دراسية تعتمد على مراجع قديمة في الغالب. – تدّريب ميداني يقوم على الأساليب التقليدية، وغالباً ما يُترك المُتدرب دون متابعة وتوجيه. وهذا ما يعيه كل مسؤول في التعليم الأساسي والتعليم العالي، لا سيما أن عديداً من الأبحاث والدراسات لواقع كليات المعلمين والمعلمات تثبت أنها من أهم عوامل ضعف التعليم في المملكة، وتستمر حلقة الضعف مع المعلّم وهو على رأس العمل، بسبب أنه لم ينل نصيبه من التنمية المهنية المستدامة، على الرغم من الجهود التي تبذل من هنا وهناك، إلاّ أنها غير كافية لصناعة المعلم الفعّال، فضلاً عن زجّ المعلم في الميدان التربوي دون تزويده بالدّعم المناسب الذي يُساعده على القيادة في ظل تلاطم كل هذه الأمواج العاتية. وبالإضافة إلى كليات المعلمين هناك عامل آخر يجب أن يُنظر إليه بنفس الدرجة من الأهمية، ألا وهو عدم كفاءة وجودة معايير اختيار القيادات التربوية بمختلف الفئات والمستويات دون استثناء، فالقيادة تمثل حجر الزاوية في مفهوم التطوير ككل، وتكمن أهميتها في القدرة على وضع الاستراتيجيات وتحريك الآخرين نحو الأهداف المرسومة بطرق محفزة وفاعلة، وقد أخبرنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بقلة من تتوفر فيهم صفات القيادة بقوله: (إنّما الناس كالإبل الراحلة لا تكاد تجد فيها راحلة) صحيح البخاري لذا يجب تطوير معايير اختيار القيادات لتتوافق مع تجارب الدول المتقدّمة، وتتلاءم مع مهارات القرن الحادي والعشرين. وثمة عامل ثالث خفي وراء ذلك الضعف المتراكم في النظام التعليمي، يكمن في نظرة المعلّم لطلابه بأنهم غير أذكياء، تتضح من خلال عبارات يرددها بعض المعلمين على مسامع طلابهم: أنت طالب غبي… لا تُرجى أي فائدة منك… لن تنجح هذا العام، ونقيس عليها عبارات أُخرى قد تكون أخف أو أشدّ وطئاً على الطالب. إن ما ينقله الآباء والمعلمون من توقعات بشأن مستقبل الأبناء سيؤثر على إنجازاتهم وما يحققونه في حياتهم العلمية والعملية سلباً أو إيجاباً وفقاً لتلك التوقعات، خاصة في مرحلة تكوينهم وبناء شخصيتهم. لقد أجرت جامعة هارفارد بحوثاً عن توقعات المعلمين فيما يخص أداء وإنجازات طلابهم وأثبتت النتائج بشكل حاسم أن مقدار ما يتعلمه ويستوعبه الطلاب يتوقف على توقعات معلميهم، فالمعلمون القادرون على نقل توقعاتهم الإيجابية تكون نتائج طلابهم التحصيلية أعلى بكثير من نتائج الطلاب الذين تكون توقعات معلميهم سلبية، ويحضرنا هنا رؤية أم محمد الفاتح وقولها له وهو ابن السابعة: تلك القسطنطينية وأنك إن شاء الله فاتحها. يستحق هذا الجيل أن ننظر إليه على أنه جيل عبقري ومنتج، وهو كذلك بالفعل، حيث تظهر عبقريته جلية خارج غرفة الصف متمثلة في قدرته على التعامل مع التكنولوجيا بقنواتها المتعددة، وتوظيف الأحداث الجارية في نقد الواقع من خلال قوالب فُكاهية محبكة الصنع، وعن طريق تصحيح نظرتنا للطلاب، واعتمادنا على التوقعات الإيجابية حيال إنجازاتهم، حتماً سوف تظهر هذه العبقرية في حجرة الصف. هذا فيما يتعلّق بالعوامل البشرية، وإذا ما نظرنا إلى العوامل المادية فواقع الحال لبيئات التعلم لا يخفى على أحد، ففي الوقت الذي تستخدم فيه بعض الدول السبورات الذكية، وتتوفر فيها مصادر تعلّيمية تعلُّمية متنوعة ومتعددة – رغم أن ميزانياتها منخفضة مقارنة بميزانية التعليم لدينا -، نجد أننا مازلنا متمسكين بجميع تفاصيل بيئة التعليم القديمة التي لا تُساعد على تحقيق أهداف المقررات المطورة، ولا تُحقق عنصر الجذب – في معظم مدارسنا -. معالجة الفجوة لن تؤتي ثمارها إلاّ بالتخطيط والتنفيذ الاستراتيجي لإعادة البنية التحتية حيث إن عمليات الترميم وسدّ الخلل لن تُجدي نفعاً.فلماذا اختبار القدرات والتحصيلي لو كان التعليم الأساسي قوياً ومتيناً؟ ولماذا اختبار كفايات المعلمين والمعلمات لو كان مستوى كليات إعدادهم جيداً؟ يرى إدوارد ديمينج -خبير الجودة – أن الجودة تتطلب التفاعل التبادلي بين الغاية والوسيلة حيث الفعل يصبح عضوياً ومركباً وليس خطياً وخطواتياً. وفي مرحلة البناء لا بدّ أن نستفيد من نظرية شجرة الخيزران الصينية التي تُزرع بعد تجهيز الأرض جيداً، وأثناء السنوات الأربع الأولى يكون كل النمو الذي تحققه هذه الشجرة في الجزء الموجود تحت الأرض. الشيء الوحيد المرئي منها طوال تلك المدة هو كرة صغيرة تخرج منها نبتة صغيرة جداً. في السنة الخامسة تنمو هذه الشجرة ثمانين قدماً دفعة واحدة. لابد أن نعرف قيمة تجهيز الأرض، وزرع البذور، ووضع السماد والماء. (عندما تتغير البنية التحتية فإن كل شيء يُصدر صوتاً مُدويّاً) ستان دافيس. وإلى أن تتغير البنية التحتية لا بد أن يبدأ كلّ منّا بإصلاح نفسه، وتقوية أدواته ذاتياً يقول ابن القيم – رحمه الله لو أن رجلاً وقف أمام جبل، وعزم على إزالته؛ لأزاله. ختاماً: نحن نثمّن جهد الوزارة ونُقدّر عملها في مجال تطوير المقررات الدراسية، وتدعيمها بمنتجات مُساعدة، ناهيك عن استجابتها لحاجة المعلم إلى فهم بنية وفلسفة تلك المنتجات، وطرق التعامل مع الأدوات والأساليب والاستراتيجيات التي يتطلبها التطوير، من خلال التخطيط الاستراتيجي لتدريب جميع المعلمين والمعلمات وفق حقائب مركزية أحدثت نقلة نوعية في الميدان التربوي، ولكن نبقى متطلعين إلى تطوير شامل وجذري لكل شيء من حولنا حتى ننافس الأمم المتقدمة ونتصدرها بعون من الله.