سبق وأن تحدثنا في المقال السابق عن الحضانة وبعض أحكامها، وسوف نتحدث في هذا المقال عن المعمول به في القضاء السعودي فيما يتعلق بالحكم بالحضانة، ومتى يحق لطالب الحضانة التقدم بالدعوى، ومكان اقامة دعوى الحضانة.إذاً فالمعمول به في المحاكم السعودية فيما يتعلق بدعاوى الحضانة أنه ينظر للأصلح لمصلحة المحضون من الأبوين، فمتى كان الأب أصلح واكتملت به الشروط وانتفت به الموانع فيحكم له بحضانة الصغير، ومتى ما كانت الأم أصلح من الأب وكانت مكتملة الشروط منتفية الموانع يحكم لها بحضانة الابناء، لأن عماد الحضانة الأصلح للمحضون، وكونها أي الحضانة حقا للمحضون وليست للحاضن فينظر القضاء فيها لما يحقق مصلحة المحضون، ويكون ذلك بإعمال البينة على من يدعي الحضانة، حيث يقع عليه عبء الاثبات في عدم صلاحية الطرف الآخر، لكن هناك تساؤلا يثور وهو محط خلاف حتى بين احكام القضاء وهو إذا كان الأبوان متعادلين في الصلاح فلمن تكون الحضانة،وهناك مسلكين في ذلك. فهناك من القضاة من ينظر للأبناء اذا كانوا من أهل العقل وحسن الادراك فيخيرهم بين طالبي الحضانة من والديهم فمع من اختاروا فيحكم بالحضانة بناء على اختيار الابناء، وجاء في الحكم المنشور في مدونة الاحكام القضائية برقم (34258488) أن «طالب أب مطلقته بحضانة ابنته التي فوق سن السابعة فرفضت المدعى عليها أم البنت تسليمها لوالدها لصغر سنها وحاجتها إلى من يقوم على رعايتها وذكرت أن المدعي مهمل بالرعاية كما أن المدعي لم ينفق على ابنته رغم صدور حكم قضائي يلزمه بذلك، وقد سألت المحكمة المدعي عن المدعى عليها فلم يقدح بدينها ولا بحضانتا وصادق أنه لم ينفق على ابنته رغم صدور حكم من المحكمة يلزمه بذلك، ودفع بأن المدعى عليها لم تطلب التنفيذ، وقد خيرت المحكمة البنت فاختارت والدتها، لذا ولما قرره أهل العلم والفقهاء من أن الأم أحق في الحضانة من الأب إذا لم تكن متزوجه لم يقم بها مانع، حكمت المحكمة بحضانة البنت موضع النزاع للمدعى عليها، وصدق الحكم من محكمة الاستئناف».وهناك من القضاة من يخير الذكر فقط إذا كان أهلاً للاختيار دون الأنثى فيحكم لها بأن تكون حضانتها لأمها مطلقاً دون تخيير، وفي ذلك نشير إلى الحكم المنشور في مدونة الاحكام القضائية برقم (34193383) والقاضي ملخصه «حضر الاب وادعى على زوجته سابقاً بأنها كانت زوجته وأنجب منها بنتاً وعمرها ثمانية عشر عاماً وذكرا عمره خمسة عشر عاماً وبنتاً أخرى عمرها ثلاثة عشر عاما، وقد طلقها عام «....» وجميع أولاده منها عند المدعى عليها ولم تتزوج حتى الآن ويطلب ان تكون حضانة أولاده عنده، وبسؤال المدعى عليها صادقت على ما ذكر المدعي وهي لم تتزوج حتى الآن، وقد طالب المدعي بحضانة ابنائه، وبناء على ما سلف من الدعوى والإجابة، وحيث قرر الجمهور من العلماء أن الأم احق بالحضانة كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك ونقله ابن القيم عن احمد، الحكم بصرف النظر عن طلب حضانة البنت الأولى والولد الثاني لكونهما بالغين، والحكم بحضانة البنت الثالثة عند والدتها المدعى عليها، وقد قرر الطرفان اعتراضهما على الحكم، وصدق الحكم من محكمة الاستئناف». اذاَ هذا ما عليه العمل بالقضاء السعودي، وهنا يثور تساؤل دائماً عن توقيت رفع دعوى الحضانة ومتى ترفع؟ فدعوى المطالبة بالحضانة ليست مرتبطة بالطلاق بين والدي المحضون فقط كما يتصور لدى الكثيرين، بل إنها متى ما انفصل الأبوان عن بعضهما سواء أكان هذا الانفصال بطلاق أم أثناء الفسخ كأن تكون الام رافعة دعوى فسخ نكاح، أو كان بهجر الزوج، فمتى ما كان هناك انفصال من الابوين عن بعضهما حق للاخر التقدم بدعوى حضانة الولد. وترفع دعوى الحضانة في مقر إقامة المدعى عليه «اذا كان رافع الدعوى غير الأم» أما اذا كانت طالبة الحضانة هي الأم فلها الخيار في إقامة الدعوى في مقر اقامتها أو مقر إقامة المدعى عليه، وذلك بحسب نظام المرافعات الشرعية في مادتة التاسعة والثلاثين الفقرة (2) حيث جاء نص الفقرة «للمرأة في المسائل الزوجية والحضانة والزيارة ومن عضلها أولياؤها الحق في إقامة دعواها في بلدها أو بلد المدعى عليه» وترفع دعوى الحضانة في محكمة الأحوال الشخصية إذا وجدت في المنطقة، وإن لم توجد ترفع الدعوى في المحكمة العامة، وقد صدر مؤخراً قرار من المجلس الأعلى للقضاء برقم 35/11/1167 وتاريخ 30 شوال 1435 يؤكد على «أن على الدوائر المختصة بنظر دعوى الحضانة تضمين الحكم بالحضانة أنه يحق للمحكوم له بالحضانة حق مراجعة الأحوال المدنية والجوازات والسفارات وإدارات التعليم والمدارس وإنهاء ما يخص المحضون من إجراءات لدى جميع الدوائرة والجهات الحكومية والأهلية، ما عدا السفر بالمحضون خارج المملكة فلا يكون إلا بإذن من القاضي في بلد المحضون وذلك فيما إذا كان الحاضن غير الولي، وأن يعامل طلب الإذن بالسفر بالمحضون خارج المملكة معاملة المسائل المستعجلة وفق المادتين (205/206) من نظام المرافعات الشرعية» وقد ساهم هذا القرار مساهمة كبيرة في إنهاء معاناة الكثير من المحكوم لهم بالحضانة وخاصة من النساء ممن يماطل معهن المحكوم ضدهم في إنهاء اجراءات المحضون لدى الدوائر الحكومية وجعل للقضاء الحكم في تضمينها بنفس حكم الحضانة، ومما تجدر الاشارة إليه أن حق الحضانة من الحقوق المتجددة، فمتى كان الحاضن غير صالح أو ثبت عدم صلاحه، أو سقط شرط من شروط الحضانة أو اختل فيحق لمن لم يحكم لصالحه بالحضانة رفع دعوى جديدة على الحاضن ويذكر بها أسباب رفعه وطلبه للحضانة وما استجد على الحاضن مما جعله يطلب الحضانة من جديد وينظر فيها القضاء كدعوى مستقلة.