فترة الاختبارات فترة حرجة وحساسة على مختلف الأصعدة كونها المرحلة التي من شأنها تحديد مصير حصاد عام كامل من المسيرة التعليمية بكافة صعوباتها وتحدياتها الذهنية والجسدية، ناهيك عن ارتباطها بمستقبل الطالب خاصة في المرحلتين الثانوية والجامعية. فما أبرز الهموم التي تصاحب هذه المرحلة ومدى تأثرها بواقع التعليم في المملكة؟«اليوم» استضافت مجموعة من المختصين في ندوة لتستعرض كافة هذه التساؤلات وتعرضها للقارئ من وجهة نظر نابعة من كوادر تعبر عن واقع البيئة التعليمية والصحية والنفسية. للاختبارات رهبتها وطقوسها فحين يأتي وقتها تستنفر المدارس والمنازل وتسخر الطاقات لاستقبال أيام الحصاد التي تمتد أسابيع وفيها شيء من المعاناة للطالب والترقب من الأسر والعمل الدائم من المدارس، أيام الاختبارات لها رهبتها وأهميتها مهما حاولنا أن نقلل من ذلك، لكن يبقى السؤال: من المسؤول عما يمر به الطالب من شحن نفسي وارهاق فكري؟ ومن الذي قال: إن الاختبارات هي واد من المفاجآت لا يمكن أن يتجاوزه إلا من كانت جعبته مليئة بالمعلومات؟ ولماذا لا نقول للطالب بكل بساطة: إن الاختبارات استراحة محارب وفرصة للطالب لتقييم أدائه وعطائه الدراسي ومعرفة مقدار ما تحصل عليه في فترة الدراسة كي ينظر الطالب والطالبة بنظرة إيجابية تساعدهما في اجتياز هذه المرحلة براحة تؤدي إلى نجاحهما وتفوقهما؟ ومن خلال ندوة «اليوم» التي جاءت بعنوان: (الاختبارات وواقع التعليم) استقطبنا العديد من المهتمين بهذا الموضوع من مختلف الأطياف والتخصصات لنعرف كيف نجعل الاختبارات - كما أسلفنا - محببة للطالب والطالبة ونكسر كرة الثلج التي تكبر عاماً بعد عام بأن الاختبارات جاءت فنغلق النوافذ ونقطع الزيارات وتبدأ المنازل في تطبيق نظام صارم قد يكون سلبيا على الطالب، حيث يرى ضيوف الندوة ضرورة التهيئة النفسية للطالب عند استقبال الاختبارات، وأن يكون هناك محفزات للطلاب من مبدأ وضوح الهدف وهو اكتساب المعرفة وليس الخوف من الفشل أو مجرد تعبئة معلومات يتم استرجاعها وقت الاختبارات ثم نسيانيها وهو الأمر الذي ينعكس كليا على العملية التعليمية. في حين يرى آخر أن واقع الحال قد يبدو مختلفاً في المرحلة الجامعية، حيث إن الرهبة والقلق من الاختبارات انخفضا لدرجة تشبه اللامبالاة والسبب الرئيس قد يعود للملهيات في الوقت المعاصر. فقد أصبح التعليم أمراً غير قادر على جذب الطلاب، بل تحول إلى تجربة مؤلمة على مختلف المستويات سواء في الشكل او المضمون وغالبية الطلاب أصبحوا محبطين من المستقبل خاصة فيما يتعلق بالتوظيف، في حين يرى البعض أن الاختبارات هي التي ستحدد المخرجات النهائية للتعليم التي في واقع الحال تدعو للتساؤل، حيث اننا نجد الطلاب بعضهم يتخرج بنسب مرتفعة في الثانوية العامة، لكن لا يوفق في اجتياز اختبار القياس الذي يفترض انه اقل تعقيدا من سابقه وهو ما يجعلنا ندرك اننا أمام محصلة نهائية ضعيفة وليس المنهج الملام الوحيد، بل طرق التلقين التي يجب أن تتبدل، إضافة الى ضرورة إعادة الثقة للمعلم الذي اصبح لا يجد ذاته في المجال، بل يبحث عن جوانب مختلفة تعوض له قيمتيه المعنوية والمادية على حد سواء. الباحص: لا يمكن الاعتماد على دور المدرسة فقط بداية يشدد مدير ادارة العلاقات العامة والإعلام بتعليم المنطقة الشرقية سعيد الباحص على ضرورة التهيئة السليمة للطلاب فهي مطلب أساس عند استقبال الاختبارات، وذكر اننا نختتم هذه الايام اختبارات المرحلة الابتدائية للخاضعين لآلية التقييم والمؤشرات وحتى اللحظة ايجابية، حيث تم رصد الجهود المقدمة من قادة ومنسوبي المدارس لتوفير أجواء ملائمة ومريحة عن طريق لجان جوالة، وهذه اللجان تقوم بدورها أسوة ببقية اللجان التي تم تشكيلها من قبل 45 إدارة تعليمية بالمملكة تشمل المحافظات والمناطق، ناهيك عن التي تم استحداثها في ظهران الجنوب والرياض التي تم فصلها لادارتي تعليم. ولعل مهمة الاختبارات مرتبطة بمنظومة التعليم التي تعيش مرحلة غربلة وإعادة تشكيل في الاولويات والبنية والمناهج وايجاد مفاهيم جديدة تسعى لمواكبة توجه الدولة، وفي الشرقية فقط تم إشراك 60 مدرسة في البرنامج الوطني الذي يهدف الى تجاوز مرحلة التلقين التقليدي إلى الاسلوب البنائي وإعطاء الطالب القدرة على التعامل مع مختلف مهارات التفكير دون الاعتماد الكامل على المعلم معتمدا على عدة مفاهيم حديثة مثل مفهوم التجمعات المهنية أو توفير البئية الجاذبة واشراك اندية الأحياء والأسرة كإحدى أهم الخطوات التي تلتزم بها وزارة التعليم وفقا لرؤية المملكة 2030، فالتحديات كبيرة والمؤثرات كثيرة ولا يمكن الاعتماد على دور المدرسة فقط. د. برعي: مطلوب جو أسري بعيد عن أي شحن أو مشاحنات أرجع استشاري طب الاطفال بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر د. عبدالله برعي انخفاض مستويات رهبة الاختبارات في الوقت الراهن لأسباب أبرزها اختلاف العديد من المفاهيم المرتبطة بمصير الطالب بعد الاختبار. فسابقا لا يوجد سوى التلفزيون، أما اليوم فهناك قنوات الانترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل وغيرها فلا نتوقع من هذا الطالب ان يكون بذات التفرغ الذهني كما في السابق وهو ما يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار ايضا في اسلوب حياته وغذائه خلال هذه الفترة الحساسة، حيث ينصح باجتناب المنبهات ومشروبات الطاقة والقهوة والشاي قدر الامكان كونها مدرة للبول ما يؤدي للجفاف الذي يؤثر سلبا على التركيز. والأسلم تناول الماء بشكل متقطع، وكذلك ترتيب ساعات النوم التي نعلم بانها 8 ساعات يمكن تقليصها إلى 6 ساعات تجاوزا في فترة الاختبارات، ايضا المحافظة على معدل معتدل من الكميات الغذائية وتجنب الوجبات الدسمة والاستعاضة بالوجبات الخفيفة في ساعات متفرقة من اليوم. فالموازنة مطلوبة في كافة هذه النواحي، إضافة إلى توفير الجو الأسري الهادئ البعيد عن أي شحن أو مشاحنات. السعيد: الاعتماد على التقنية سبب أزمات بين الطلاب وأسرهم يؤكد الأخصائي النفسي أحمد السعيد ان ما يدفع للقلق في مرحلة الاختبارات ليس الجانب النفسي والسلوكي عند الطالب فقط، بل ايضا عند الأسرة، ولو عدنا لتاريخ الأسرة التي تشكو من مستوى ابنها في فترة الاختبارات نجده مسؤولا مباشرا نتيجة عدم استيعاب المتغيرات في المراحل الزمنية التي عاشها الآباء مقارنة بواقع الابناء الذين يمثلون جيلا ولد في عصر التقنية الحديثة التي كان لها دور سلبي حتى على مستوى النباهة لدى بعض الطلاب الذين اعتادوا الاعتماد على الالكترونيات في كل شيء دون تطوير مهاراتهم الذهنية. والمدرسة تلام ايضا، حيث إن دورها يفترض ان يكون اكثر وضوحا ويحاول ان يستجيب لكافة المعوقات والاشكاليات والتحديات في المرحلة الراهنة، والحمد لله ان هناك نماذج لديها حس جميل بالمسؤولية وهو ما يفترض ان يكون في الأساس، لان المعلم أو الاختصاصي لن يعملا على اعادة برمجة الطالب وتفكيره وانطلاقته فهذا الدور منوط بالأسرة في الأساس. الملحم: البيئة التعليمية لا تشجع على اكتشاف المواهب ويرى الكاتب عبداللطيف الملحم أن الحديث سهل عن مسألة الاختبارات وواقع التعليم، لكن الأمر الأصعب هو التطبيق لانك لا ترى النتائج الواضحة بشكل سريع، فقياس الاثر يحتاج لسنوات وهذه المشكلة تنعكس على أساليب التعليم المعاصر، وبالتالي الآليات المتبعة في الوقت الراهن التي - دون شك - تختلف بشكل جذري عن التجارب السابقة. فالضغوط النفسية على الطالب والرهبة لم تعد كالسابق نتيجة اننا لا نزال نعتمد على الكثير من تفاصيل الماضي مثال: «مسألة المركزية في إدارة التعليم» التي اعتبرها المعوق الرئيس لوجود بيئة تشجع على اكتشاف المواهب وتوظيفها بالشكل الصحيح، كما ان السلبيات التي تواجه مراحل التعليم المختلفة لم تجد من يعالجها بشكل تدريجي، لكن استعجال النتائج والقفز بين مراحل الحلول هو أبرز الهموم التي تؤثر على المسيرة التعليمية. د. المطوع: تناغم المناهج الدراسية مع طبيعة كل منطقة يقول مدير ادارة الارشاد الجامعي بجامعة الإمام د.عبدالعزيز المطوع: إن واقع الحال قد يبدو مختلفا في المرحلة الجامعية، حيث إن الرهبة والقلق من الاختبارات انخفضت لدرجة تشبه اللامبالاة والسبب الرئيس قد يعود للملهيات في الوقت المعاصر. فقد أصبح التعليم غير قادر على جذب الطلاب، بل تحول إلى تجربة مؤلمة على مختلف المستويات سواء الشكل او المضمون وغالبية الطلاب أصبح محبطا بعضهم يتساءل: ماذا افعل بعد التخرج؟ اللاعب الفلاني لا يملك شهادة، لكن يملك الملايين!! وهذه الضغوط السلبية ولدت هذا الاحباط لدى الطالب الذي نسعى حاليا من خلال مشروع جديد تغيير مفاهيمه والقيام بما يسمى استزراع القلق الحميد، لان القلق الحميد يهدف إلى استبدال الاحباط بالتحفيز والتفاؤل وتوضيح الرؤية الحقيقية للمستقبل بعيدا عن المؤثرات السلبية التي فرضها عصر التقنية. ونستهدف 68 % من الطلاب يمثلون هذه الفئة باستثناء الطلاب الذين نلمس لديهم الوعي وادراك حقيقة المستقبل والحماسة للدراسة، كما أوصى المطوع بإعادة النظر في موضوع المناهج الدراسية بحيث يفترض ان تتناغم مع طبيعة كل منطقة. فكون جميع المناهج بالمملكة هي نفسها امرا غير منطقي عطفا على اختلاف البيئة والاحتياجات من منطقة إلى أخرى. فالشرقية مثلا يفترض ان تشمل مناهج تنسجم مع طبيعتها الصناعية، ايضا أعود للتأكيد على مبدأ الحب وليس الارغام كمحفز صحي لخوض الاختبارات وهذا الامر معني به المنزل بدرجة أولى بحيث يوفر أجواء مناسبة للطالب بعيدا عن التعقيد بالتحضير، ثم ننتقل للمنظومة التعليمية وتحديدها للاهداف الوجدانية ليحصل التأثير المطلوب وتوفير بيئة جاذبة لتشبع حاجات الطلاب التي تغيرت في وقتنا الراهن نظرا لكثرة وسرعة دورة الحياة العصرية. فقد آن الأوان لتغيير البنية في المنهج الحالي وأساليب التعليم، فلا نزال في وسائل الورقة والقلم في تعاملنا مع جيل لا يعترف سوى بلغة الكمبيوتر والهواتف الذكية أيضا. الشريدة: طرق التلقين لم تعد تلبي احتياجات العصر يقول الكاتب خالد الشريدة: إن الاختبارات هي التي ستحدد المخرجات النهائية للتعليم التي في واقع الحال تدعو للتساؤل، حيث إننا نجد الطلاب بعضهم يتخرج بنسب مرتفعة في الثانوية العامة، لكن لا يوفق في اجتياز اختبار القياس الذي يفترض انه اقل تعقيدا من سابقه وهو ما يجعلنا ندرك اننا أمام محصلة نهائية ضعيفة وليس المنهج الملام الوحيد، بل طرق التلقين المعمول بها التي لم تعد تلبي احتياجات العصر وتشكل المزيد من التحديات. وبرأيي حان الوقت لإحداث تغيير واسع يشمل المناهج والمنظومة التعليمية على مختلف المستويات لتفادي استمرار هذه النتائج، وان يتم تبني ذلك من قبل كفاءات لديها القدرة على صناعة التغيير الاستراتيجي وإحداث الفارق، وتعمل على توزيع المسؤوليات بعيدا عن المركزية ما يضمن اتزان المسيرة التعليمية وينعكس على المحصلة النهائية لمخرجات التعليم في المنطقة.