فجع الوسط الاجتماعي والثقافي في بلادنا برحيل الكاتب محمد المعيبد، الذي عرفه قراء هذه الجريدة من خلال كتاباته الاجتماعية والاقتصادية التي ينشرها في «اليوم» وصحف أخرى، وتتسم بالطرح المتزن ذي النبرة الوطنية الصادقة والتوجه الواقعي في مناقشة ما يطفو على سطح المجتمع من سلبيات، فقد كان رحمه الله مسكونا بهم مجتمعه ووطنه وأمته، وقد أضناه ما تعانيه الأمة من ويلات وتمزق، وآلمه عجزها عن تجاوز المعضلات والاحباطات التي تواجهها وتقودها إلى الحروب والنزاعات كما هو الحال في أكثر من قطر عربي، مهتديا في كل مواقفه بما يمليه عليه الدين الحنيف من قيم نبيلة في السلوك الحسن، والجدال بالتي هي أحسن، والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكن يضيق ذرعا بمن يخالفه في الرأي، بل يتفهم ويحترم آراء الآخرين، دون أن يتنازل عن رأيه ما دام على ثقة بصحته، وهكذا كانت كتاباته.. تتسم بالمواقف المرنة القابلة للنقاش، دون أن يضعفها هذا النقاش، بل يفتح أمامها أبوابا جديدة تثري الموضوع ذاته مهما كان متشعبا وقابلا للاختلاف. ومع معرفتي الطويلة به.. لم أذكر أنه ذكر أحدا بسوء، وكان يلزم الصمت عندما ينحرف حديث الحضور إلى الأمور الشخصية، حيث تمنعه عفة لسانه، وسمو أخلاقه من الخوض في أمور لا جدوى منها، إن لم تضر بدل أن تنفع. ومن منطلق حرصه على الحوار المتزن والرزين اختار رحمه الله تكوين مجموعتين للتواصل عبر «الواتساب» الأولى هي مجموعة «التشاؤل» (تعبير يجمع بين التفاؤل والتشاؤم) ثم استقر الرأي بعد التشاور مع أعضاء المجموعة ليكون الاسم هو «التفاؤل» معبراً عن حبه للحياة وتفاؤله بالمستقبل، وحرصه على تأصيل ثقافة الانفتاح وقيم الإيمان بالمستقبل المشرق لهذا الوطن ولهذه الأمة، وهذه المجموعة تضم عددا محدودا من مثقفي وأعيان المنطقة الشرقية، يلتقون كل شهر في ضيافة أحد الأعضاء، لمناقشة بعض المستجدات في المنطقة والعالم وفي مختلف المجالات، مع امتداد مناقشاتهم حول هذه الأمور وغيرها عبر «الواتساب». والمجموعة الثانية سماها «الثقافية» وتضم نخبة متميزة من قادة الفكر وكتاب الرأي في صحف المملكة والخليج، وهؤلاء تقتصر لقاءاتهم على المناقشات عبر «الواتساب» لتبادل الرأي وطرح الأفكار الجديدة، ومعرفة ما يستجد من أخبار حول شئون وشجون الثقافة، فيما يتعلق بهم أو بغيرهم من المثقفين، وفي المجموعتين حرص الراحل - رحمه الله- على حسن اختيار الأعضاء، لتوثيق الصلات الثقافية بينهم، وهذه من الأمور التي أتاحت لهؤلاء الأعضاء المزيد من التعارف وتوثيق أواصر الصداقة والمحبة بين كثيرين لم يكونوا على معرفة مسبقة ببعضهم. وكان الراحل - رحمه الله - في لقاءاته مع أصدقائه يتمتع بروح الانفتاح، الذي يجمع بين حماسة الشباب، وحكمة الشيوخ في طروحاته ومناقشاته المثمرة، وغالبا ما يمسك بزمام الحديث ليستقطب حوله آراء الآخرين عن ما يطرح من آراء أو أفكار أو مواضيع للمناقشة، فكان أبو إياد - رحمه الله- عطر المجالس، لذلك ولحسن تعامله وعلو همته وطموحاته الكبيرة.. فإن حتى الذين يختلفون معه في الرأي لا يملكون إلا أن يحترموا شخصه وفكره، ودفاعه عن رأيه. ولذلك أيضا أحبه الجميع وقدروه، واستناروا برأيه واستفادوا من خبرته في الثقافة والحياة، ومن حبه للوطن وتفانيه في خدمته.. نبع حرصه على المشاركة في تصحيح مسار التنمية، بالنقد البناء، من خلال كتاباته ومشاركاته في الفعاليات الوطنية، واللقاءات والندوات الفكرية والثقافية. كان أبو إياد - رحمه الله- ممن أحبهم الله فحبب الناس فيه، لعفة لسانه، وكرم خلقه، ولين جانبه، وتواضعه الجم، ونبذه للخلاف والكراهية، ودفاعه عن الحق بالحجة والبرهان، وحرصه قبل ذلك وبعده.. على رضا خالقه. لقد مر محمد المعيبد على قرائه من هنا.. من هذه الجريدة، فترك في نفوس الجميع أطيب الأثر، وأحلى الذكريات، وأجمل المقالات، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه الفردوس الأعلى من جنته، وإنا لله وإنا إليه راجعون. قالُوا رَحَلْتَ فقلتُ: ذِكْركَ باقِ سيظلُّ فِكرُكَ دائمَ الإشْراقِ مهما القلوبُ تفَطَّرَتْ فعزاؤها وَسْطَ الحَنايا عِشْتَ والأحْداقِ يَمْضِي الزّمانُ ويَبْقَى خالِداً حُسْنٌ بَدا من طيّبِ الأعْراقِ * مستشار إعلامي