كشفت بعض آثار الأسنان التي وجدت في بقايا عظام بشرية قديمة أن الإنسان كان يمثل وجبة عشاء شهية لأحد الحيوانات المفترسة منذ نحو نصف مليون عام. منذ 500 ألف عام، كان هناك ضبع يسحق بفمه بقايا عظمية لإنسان من البشر الأوائل. وبشكل أكثر تفصيلا، كان ذلك الضبع يلتهم عظمة الفخذ الخاصة بشخص ما يُعتقد أنه ينتمي لإنسان ما قبل التاريخ الذي يُعرف باسم «إنسان روديسيا»، والذي يعتقد أنه كان يمثل الجد المشترك لنوعنا البشري، ولإنسان «نياندرتال». وبحسب شبكة «بي بي سي»، قد عُثر على تلك البقايا العظمية البشرية في كهف في ضواحي مدينة الدار البيضاء في المغرب، في منطقة تعرف بأنها غنية بالحفريات. واكتُشفت عظمة الفخذ تلك وسط طبقة من الرواسب يرجع تاريخها إلى نصف مليون عام. وقد عُثر عليها خلال عمليات حفر استكشافية في عام 1994، لكن أعيد اكتشافها بشكل أكثر دقة في سنوات لاحقة. وقال جان-جاك هابلن، من معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري بمدينة لايبزيغ في ألمانيا، في إشارة إلى تلك العظمة: «كانت تالفة، ومكسورة، وعليها آثار مضغ أيضا». وأضاف هابلن إنه واجه صعوبة هو وزملاؤه في تحديد نوع تلك البقايا العظمية في البداية، وذلك بسبب كثرة ما أصابها من تلف. وتابع: «لكن في عملية الفحص الثانية، توصلنا إلى أن تلك البقايا تشبه فخذ الإنسان». وأجرى فريق البحث تحليلا شاملا لآثار الأسنان التي لوحظت على طرفي تلك الشريحة العظمية البشرية، لمعرفة المزيد عن مصير الإنسان البدائي الذي كانت تنتمي إليه تلك العظمة. وتبين من خلال فحص آثار الأسنان تلك أنها تعود لأحد الحيوانات الضخمة آكلة اللحوم. وكشفت الأدلة المستخلصة من الحفريات الموجودة في ذلك الكهف أن هذا الحيوان كان نوعا منقرضا من حيوانات الضبع المعاصرة. وأضاف هابلن: «يبدو أن الكهف كان يستخدمه الإنسان وعدد من تلك الحيوانات أيضا. وهذا يشير إلى قرب المسافة التي كانت تفصل بينهما». وذكر التقرير الذي أعده فريق البحث، ونشر مؤخرا في دورية «بلس وان» العلمية، أنه وفقا لهذه المعلومات، فإن من المنطقي أن يكون الضبع هو المتسبب في هذا الحادث. وأكدت الكاتبة الرئيسة للبحث، كاميلا دوجيرد، من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في العاصمة الفرنسية باريس، أن طريقة الكسور في تلك العظمة تتوافق مع الفرضية التي مفادها أن الضبع هو المتسبب في هذا الضرر. لكننا لا نعلم بالفعل ما إذا كان ذلك الإنسان الأول قد قُتل بسبب هجوم الضبع عليه، أم أنه مات أولا، ثم وجدت الضباع المتجولة جثته في طريقها. وقالت دوجيرد: «وجود أثر لأسنان حيوان مفترس على بقايا الإنسان ليست دليلا كافيا على أن الحيوان هاجم ذلك الإنسان وافترسه (حيا)». وتفاجأ الباحثون من تلك الملاحظة، خاصة أن عددا قليلا جدًا من الحفريات شبه البشرية تحمل دلائل على أن الإنسان القديم تعرض للافتراس من قبل الحيوانات آكلة اللحوم. وقالت دوجيرد: «رغم صعوبة المنافسة خلال العصر الجليدي الأوسط، ليست هناك دلائل قوية على وجود مواجهة مباشرة تسفر عن أضرار خطيرة في العظام، أو أضرار تسبب الموت». وأضافت هابلن: «كان الإنسان حيوانا نادرا على وجه الأرض في ذلك الوقت، ولذلك كانت الفرصة أكبر بالنسبة للضباع أو حيوانات القط الكبير لافتراس أي كائن آخر غير الإنسان. هذه نظرية حقيقية الآن، ولكنها كانت واقعية أكثر في العصر الجليدي الأوسط.». ونحن نعلم الآن أن البشر الأوائل من «إنسان روديسيا» كانوا متطورين بصورة أكبر، وكانوا ماهرين في استخدام الأدوات المعقدة. فقد استخدموا الرماح، والفؤوس الثقيلة للهجوم على حيوانات العصر الجليدي الأوسط وقتلها. وبالطبع كانت الحيوانات المفترسة مثل الضبع من ضمن تلك الحيوانات. وكشفت الدراسة الجديدة، حسبما قالت دوجيرد، أن الحيوانات التي كان البشر الأوائل يأكلونها، كانت أيضًا تتمتع بقدرة على صيد وقتل البشر. وكان استغلال هذه الكائنات الخطيرة كمصدر للطعام يعد خطة ذكية بالتأكيد لبقاء الإنسان القديم. فمن خلال ذلك، يكون الإنسان قد وفر لنفسه الطعام، وتخلص من تهديد مباشر لحياته.