نحن لا نختلف من حيث المبدأ أن طبيعة المشاكل والتحديات التي تواجه الشركات العائلية حول العالم تكاد تكون متشابهة، خاصة أن جانبا رئيسا من هذه المشاكل والتحديات ترتبط بالطبيعة الإنسانية التي هي واحدة في كافة أرجاء العالم. وبالتالي من الصعب التفريق بين كل دولة وأخرى. مع ذلك، فنحن أيضا يجب ألا نغفل أن الطبيعة الاجتماعية والتربوية والدينية والثقافية في المجتمعات الخليجية خلقت بيئة مغايرة عن بقية الدول، وهي بدورها أثرت بشكل أو بآخر على طبيعة المشاكل والتحديات التي تواجه الشركات العائلية الخليجية. وفي هذا النطاق أيضا توضح بعض الدراسات الاقتصادية أن الشركات العائلية الخليجية تواجه نوعين أساسيين من المشاكل الإدارية والتجارية، وذلك خلال حياة مؤسسيها وبعد وفاتهم، حيث يتمحور النوع الأول من المشاكل الإدارية التي تحدث خلال حياة المؤسس أو المؤسسين الرئيسين للشركة في مدى منطقية القرارات الإدارية والتجارية التي يتخذها الملاك، ومدى استنادها إلى أسس تجارية واقتصادية سليمة، باعتبار ان المالك يعتقد في معظم الأحيان انه هو الأكثر حرصا من غيره على مصلحة الكيان العائلي، وبالتالي هو الأعلم بالطريقة والأسلوب الأمثل الذي يجب ان تدار به أعمال الشركة. أما عن النوع الثاني من المشاكل التي تواجه المؤسسات العائلية، فهو الذي يحدث بعد وفاة مؤسسيها الرئيسين، حيث يعتبر هذا النوع أشد خطرا من النوع الأول لأنه أشبه ما يكون بقنبلة موقوتة، عادة ما تنفجر وتلقي بشظاياها الحارقة والقاتلة للكيان التجاري العائلي بوفاة أحد مؤسسيه الرئيسين، وبالتالي فإن المشكلة الأساسية التي أصبحت تواجه الشركات العائلية في وقتنا الحاضر، تبدأ بعد وفاة المؤسس الرئيس، والتي غالبا ما ينتج عنها اختلاف في وجهات النظر بين الورثة والشركاء الباقين على أمور عديدة يتمركز معظمها في استمرارية الشركة وإبقائها على قيد الحياة. وحتى في الحالات التي يتم فيها التوصل إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف بإبقاء الشركة على قيد الحياة، فمن المحتمل ظهور مشاكل أخرى ترتبط بأسلوب إدارة دفة أمور الشركة الداخلية والخارجية، الذي قد يختلف تماما عن الأسلوب الإداري السابق لسبب ما يسميه البعض بالفجوة الجيلية Generation Gap، التي عادة ما ينتج عنها حدوث سلسلة من المشاكل الخارجية، مع العملاء والموردين والمنافسين وغيرهم. علاوة على هذه الجوانب، التي قد تتشابه من المشاكل التي تواجهها الشركات العائلية الخليجية مع غيرها من الشركات العائلية حول العالم، فإن الشركات العائلية الخليجية تواجه مشاكل تكاد ترتبط بالبيئة الاجتماعية والثقافية والتربوية التي تعيش وسطها. ومن بين هذه المشاكل هي ارتباط المنشأة أيا كان وضعها القانوني خاصة (الفردية والعائلية) باسم صاحبها واكتساب قوتها ونجاحها منه، وهو الأمر الذي ينتج عنه هزات كبيرة بمجرد وفاة مؤسسها وذلك إما نتيجة لتقسيم أصول المنشأة أو الصراع على المراكز القيادية مما يؤثر بالسلب على أداء المنشأة، بل في كثير من الأحيان يؤدي الى تصفيتها وضياع ثروات كبيرة على المجتمع. كذلك من بين المشاكل التي تواجهها هي عدم وجود فصل بين الذمم المالية الخاصة بالفرد صاحب المشروع (الأفراد أصحاب المشروع) والذمم المالية الخاصة بالمشروع، مما يؤدي إلى حدوث ارتباك مالي للمشروع هذا فضلا عن إهمال معظم هذه المؤسسات تجنيب الاحتياطيات اللازمة لمواجهة الطوارئ وارتفاع المديونية (الديون المعدومة) مما يحد من امكانية حصول المؤسسة او الشركة على قروض تجارية عند دراسة وضعها المالي. أيضا من بين المشاكل، التي تواجهها أغلب هذه الشركات هي قيامها بفتح أنشطة جديدة أو توسعة نشاط قائم دون القيام بعمل دراسات الجدوى اللازمة، مما يجعل المنشأة في موقف تمويلي أو تسويقي أو إنتاجي غير متناسب مع متطلبات السوق، وبالتالي ستواجه السلع والمنتجات الوطنية منافسة عالية من المنتجات الأجنبية، وهذا يجعل التسويق ودراسة السوق والتنبؤ بحجم الطلب المستقبلي والحالي وشكله وتوزيعه الجغرافي هو أحد أهم الأدوات لنجاح الإدارة في أي منشأة أو شركة، ولكن أغلب المنشآت تهمل هذا الجانب نتيجة نقص الكفاءات التسويقية أو تشغيل أفراد غير مؤهلين او حصر مفهوم التسويق في أعمال البيع والتوزيع، بالإضافة إلى مشكلة مركزية اتخاذ القرارات، حيث يضطلع شخص واحد غالبا بمسؤولية القيام بجميع المهام الإدارية مثل الإدارة العليا ومتابعة الإنتاج والتمويل والتسويق مما يحمل المنشأة مخاطر القرارات الفردية غير المدروسة. كما تواجه الشركات العائلية الخليجية مشاكل ترتبط بنقص المعلومات عن الأسواق المحلية والخارجية، وهي بالفعل تعتبر من أهم المشاكل التي تواجه منشآت الأعمال بكافة كياناتها القانونية مما يحد كثيرا من إمكانات التوسع داخليا وخارجيا. كما يشتكي الكثير منها من عدم تمكنه من الاستفادة من حوافز الاستثمار من إعفاءات جمركية وضريبية أو الحصول على أراضٍ مجانية أو بأسعار منخفضة، وهذه المزايا تذهب الدرجة الأساس للمؤسسات الكبيرة والشركات المساهمة مما يحد من قدرة الشركات العائلية على التوسع. ونفس الموضوع ينطلق على الحصول على التمويل حيث تحجم كثير من المؤسسات التمويلية عن إقراض بعض الشركات العائلية (خاصة الفردية) الا بضمانات عالية أو بأسعار فائدة مرتفعة وهو ما يخلق أمامها صعوبات جمة في تمويل رأسمالها التشغيلي. ونخلص مما سبق إلى أن هناك مشاكل ترتبط بطبيعة وتكوين الشركات العائلية الخليجية ذاتها، وتتطلب ضرورة العمل على توفير الدعم لتلك الشركات وتشجيعها وتوعيتها لوضع خطط وبرامج تؤمن بقاءها وتعزز من قدرتها على التعامل مع تلك المشاكل حتى لا يؤول مصيرها إلى التفكك والزوال.