قدّم الناقد علي الشدوي خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي ورقة نقدية بعنوان «رقص الجنوب» قال فيها إن الورقة هي مقاربة اجتماعية وثقافية لفكرة الجنوب الجمالية، ويعني بالجنوب ما كان يُسمى قضاء الظفير ويُسمى الآن إداريا منطقة الباحة، فيما يعني بفكرة الجنوب الفنية التي تتمثل في أداءاته الفنية كالعرضة واللعب والمسْحباني، والتي تؤدى في الأفراح والمناسبات، ويمكن أن يكون الزمن الذي تؤدى فيه العرضة نهارا أو ليلا. كما تطرق للحديث عن العرضة وقال: «تسمى الجماعة التي تؤدي العرضة «عرّاضة» وإذا ما رقص واحد منهم في وسط الدائرة أو شبه الدائرة، التي كونتها الجماعة فيسمى «محمّل» وأداة الإيقاع التي يضبطون حركاتهم عليها تسمى «الزير»، والرجل الذي يدقّ الزير يسمى «النقّاع»، وتختلف المسميات من قرية إلى أخرى». وأبان الشدوي في ورقته بأن أداء العرضة واللعب والمسحباني تكتمل بالشاعر؛ حيث يصاحب كل فن من هذه الفنون الأدائية شاعر يجمع محليا على «شُعّار»، وتُقسم قصائدهم إلى قسمين: القسم الأول يسمى البدْع والقسم الثاني يسمى الردّ. قد يبدع شاعر ويرد عليه آخر، وقد يرد الشاعر على بدعه. ويسمى كل بيت في البدع أو الرد «المحراف». ويردّد نصف العرّاضة آخر «محراف» من البدع، ويُعرف هذا النصف من العراضة من توجّه الشاعر إليه، بينما يردد النصف الآخر آخر «محراف» من الرد. وقال الشدوي «يعيش العرّاضة، وكذلك مؤدو اللعب وكذلك المسحباني على تقاليد وأعراف تنتمي لكل أداء وما يؤدونه يرتبط بصورة حتمية بتجسيد أداءات فنية، وهي أداءات فنية بعيدة عن ما يجري في حياتهم اليومية؛ أي أن هناك بنية تحكم هذه الأداءات الفنية الجمالية». وأضاف: «يمكن أن أحسّن تأملاتي في العرضة بأن أتوقف عند زمن الجنوبيين وعملهم، فنحن نعرف أن أهل القرى الجنوبية يستيقظون مع طلوع الشمس ويبيتون مع غروبها، وهي ممارسة حياتية تتفق مع الزمن الكوني من ناحية، ومع وقت الإنسان الاجتماعي والجسمي والعضوي المقسم بين الراحة والعمل من ناحية أخرى، لذلك لم يكن سهر الليل مقبولا، ولا نوم النهار إلا القيلولة». وابان الشدوي بأنه حين تؤدى العرضة فلا تؤدى من حيث هي زمن استراحة من العمل داخل الزمان التاريخي؛ إنما تؤدى من حيث هي خبرة الجماعة التي توحدها العرضة بعد أن كانت خبرات منفصلة، فالعمل وتوزيعه يفصل ويوزع بينما العرضة تجعل الكل متحدا، حيث لا يوجد «أنا» أو «أنت» أو «هو». وما ينطبق على «العراضة» ينطبق على التجمع البشري، فالمجتمعات البشرية تنشئ فنونها الأدائية وتسلم بها إلى حد يمكن أن ننعتها ب«الفنون البديهية» للوجود المشترك لهذا التجمع البشري، وتكرس هذه «البديهية» لتوطد ترابط الهيئة الاجتماعية. وكما هو الغريب عن جماعة بشرية حين يتصرف ببراءة؛ حيث يبدو ساذجا ومضحكا لأنه يجهل بديهيات الجماعة الغريبة عنه، كذلك هو الذي لم يخبر العرضة ولم يجربها فيبدو بريئا ومضحكا وهو يشارك في العرضة، كالطفل الذي تثير حركاته البريئة والساذجة ضحك الكبار. وبطبيعة الحال ليس هذا الغريب ساذجا وهزليا في ذاته، إنما كان ساذجا حين حاكى الغرباء. وأكد في حديثه أن العصور تتغير وتختلف الظروف، وتبقى هوية العرضة والفنون الجنوبية ثابتة، تظل هي ذاتها، لتؤكد ذاتها بذاتها، وتعرض من خلال العرضة وفيها، وجميع ما يطرأ -كالاستعاضة الآن بالموسيقى عن الزير في سمر الشباب- ينتمي إليها، وليست غريبة عنها فالزير يحضر في الموسيقى التي تحاكيه. وشهدت الحلقة، التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدة من الحضور وكان من أبرز الحضورالدكتور سعيد السريحي والدكتور عبدالله الخطيب والدكتور يوسف العارف وصالح فيضي والدكتورة صلوح السريحي ومنى المالكي.