«كانت ستتزوجه لكنها علمت من مصدر موثوق أنه ليس جيداً ولا يمكن الوثوق به.. وبعد أشهر تفاجأت بأنه تزوج من المصدر الموثوق نفسه» هذه الطرفة تتحدث عن المرأة تحديداً، ولكن الواقع يقول: إن لدينا مشكلة -رجالاً ونساءً- في المصادر الموثوقة، مع وجود مشكلة موازية في منهجية الاستشارة! فثقتنا بالآخرين تصل إلى حد السذاجة، ومن أكثر العبارات التي تتكرر في مجتمعنا، «وثقت فيه ولعب علي»، «يا خسارة ثقتي فيك»، فنحن نصرف ثقة بالمجان لكل من نقابل، بناءً على الشكل والكلام وحتى كلام الأشخاص الآخرين عن الشخص المراد الوثوق فيه! ولذلك نخسر معنوياً ومادياً، بل وحياتياً بسبب هذه الثقة المفرطة، التي ليس شرطاً أن يكون نقيضها سوء الظن، والخوف من الآخرين، بل الوسطية والاعتدال فنتعامل بحسن ظن مع الآخرين، ولكن لا نندفع إلا بعد مراجعة وتروِِ وتمحيص! أما الاستشارة فهي حكاية وحدها، فبعضنا يستشير كل أحد، وأي أحد، حتى ولو كان هذا المستشار لا يملك ما يشفع له في إبداء الرأي! والمشكلة أن هذا جرأ الكل على التدخل وإبداء الرأي، بل وأحياناً الغضب إن لم يؤخذ برأيه! في تحديد تخصصنا الجامعي الكل يتدخل في اختيار التخصص المناسب لنا، من القريب الغاضب من وظيفته إلى زميل الثانوية الذي يرى من الوفاء ألا نفترق! في اختيار الوظيفة الكل يتكرم بإبداء رأيه! في الزواج الكل يشاركنا في اختيار شريك الحياة، وبالعادة لا نحصل على هذا الشريك- كما أشارت الطرفة- إلا إذا كان المستشار لا يرغب فيه! بل إن بيت القائل: إن يحسدوني على موتي فوا أسفى ** حتى على الموت لا أخلو من الحسد ينطبق على الاستشارة في مجتمعنا، فهناك من يبدي رأيه حتى في قبر الميت! ما المشكلة في ذلك؟! المشكلة عند ما يتصدى لإتحافك بالرأي الإنسان الفاشل في المجال الذي ينصحك فيه، فيكرمك باقتراح المشاريع التجارية من لا يعرف لون الخمسمائة، ويتدخل في قراءتك من يظن أن مؤلف أبطال من الصحراء تولستوي أو شكسبير، ويرسم لك سياستك الأسرية مع زوجك وأولادك من يشهد على نجاحه حال أولاده وبيته! أما الطامة الأدهى والأنكى فهي: عند ما تطيعه! متخصص بالشأن الاجتماعي