تحدَّثنا في المقال السابق عن بعض الجوانب النظاميَّة لشركة الشخص الواحد، حيث تطرَّقنا إلى ماهيَّة هذه الشركة، والطرق المتبعة في إنشائها وتكوينها، كما أشرنا كذلك إلى قيام المنظم السعودي بحظر تأسيس أكثر من شركة شخص واحد، وفي هذا المقال نستأنف الحديث حول الموضوع نفسه. استكمالاً لما سبق ذكره عن تأسيس شركة الشخص الواحد، فإنَّ الشريك فيها لا يكتسبُ صفة التاجر، وبالتالي لا يجوز للقاصر أن يقوم بإنشاء شركة الشخص الواحد، بسبب عدم توافر شرط الأهليَّة القانونيَّة اللازمة لتأسيس الشركة. ومن ثمَّ فإنَّ الشخص الذي لا يتمتَّع بالأهليَّة القانونيَّة الكاملة، أو كان محجوراً عليه لسفهٍ أو جنون فليس له حقُّ التمتُّع بصفة التعاقد على تأسيس شركة الشخص الواحد، وتبطل تصرفاته إذا ما تعاقد على هذا النحو. ولكن هناك استثناء على هذا الأصل؛ وهو جواز السماح للشخص القاصر بتأسيس شركة الشخص الواحد عن طريق وليِّه أو وصيِّه أو القيِّم عليه، أي يُشترط لذلك أن يتولَّى زمام إدارة هذه الشركة الوليُّ أو القيِّم الذي يتمتع بالأهليِّة الكاملة. وتتمتع شركة الشخص الواحد كغيرها من الشركات الأخرى بالشخصيَّة الاعتبارية، حيث تُعتبر الشركة من وقت تأسيسها شخصًا اعتباريًا بعد استيفاء إجراءات الشهر المقررة نظاماً، ويترتب على اكتساب شركة الشخص الواحد الشخصيَّة الاعتباريَّة أن يكون لها عنوان يميِّزها عن غيرها من الشركات الأخرى وتوقِّعُ به على تعهداتها التي تتمُّ لحسابها. وقد يكون عنوان الشركة هو اسم الشريك المنفرد في هذه الشركة، كما هو في شركات الأشخاص، أو قد يكون عنوان الشركة مستمداً من الغاية التي من أجلها أنشئت هذه الشركة، كما هو الحال في شركات الأموال. كما يترتَّب أيضاً على اكتساب شركة الشخص الواحد الشخصيَّة الاعتباريَّة، أن يكون لها ذمَّة ماليَّة مستقلَّة. بيد أنَّ الذمَّة الماليَّة لشركة الشخص الواحد لا تتشابه في شكلها مع الذمم الماليَّة للشركات الأخرى، ويُعزى السبب في ذلك إلى أنَّ رأس مال هذه الشركة هو مجرَّد حصَّة واحدة يتمُّ تقديمها من قبل الشريك الوحيد في هذه الشركة. ومن ثمَّ فإنَّ الذمَّة الماليَّة لشركة الشخص الواحد تتكوَّن من رأس مال الشركة ومن موجوداتها. وبالتالي تعتبر الذمَّة الماليَّة لشركة الشخص الواحد هي الضمان العام للوفاء بديون هذه الشركة، وتبعاً لذلك فلا يجوز للدائنين الشخصيين للشريك استيفاء ديونهم من حصَّته المقدّمة كرأس مال في الشركة، في ظلِّ استمرار هذه الشركة في ممارسة نشاطها، وإنَّما يجوز لهؤلاء الدائنين إيقاعُ الحجز على الأرباح الناتجة عن ممارسة الشركة لأعمالها وأنشطتها التجاريَّة. ويترتَّب على ذلك أيضاً أنَّ الشركة تكتسب صفة التاجر، ويستتبع ذلك أن إفلاس شركة الشخص الواحد لا يترتب عليه إفلاس الشريك، والعكس صحيح، فلا يترتب على إفلاسِ الشريك إفلاسُ شركة الشخص الواحد. ونتيجة لذلك، فإنَّ مسؤوليَّة الشريك تتحدَّد بمقدار ما يقدِّمه من حصَّة في رأس مال الشركة، وهذا يعني أنَّ مسؤوليَّة الشريك في شركة الشخص الواحد هي مسؤوليَّة محدودة للشريك في حدود ومقدار حصَّته في رأس مال الشركة، بعيداً عن أمواله الشخصيَّة التي لا تمتدُّ إليها المسؤوليَّةُ. وفي هذا الصدد نصَّت المادة (154/1) من نظام الشركات الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 28/1/1437ه على أنَّه: «استثناءً من أحكام المادة الثانيَّة من النظام، يجوز أن تؤسَّس الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شخص واحد، أو أن تؤول جميع حصصها إلى شخص واحد. وفي هذه الحالة تقتصر مسؤوليَّة هذا الشخص على ما خصَّصه من مال ليكون رأس مال للشركة، ويكون لهذا الشخص صلاحيات وسلطات المدير ومجلس مديري الشركة والجمعية العامة للشركاء المنصوص عليها في هذا الباب...». واستثناءً من ذلك أجاز المنظِّم السعوديُّ أن تمتد المسؤوليَّة إلى الأموال الشخصيَّة للشريك في حالات معينة تضمنتها المادة (155) من نظام الشركات الجديد، حيث نصَّت هذه المادة على أنَّه: «يكون الشخص المالك للشركة ذات المسؤوليَّة المحدودة مسؤولاً في أمواله الخاصة عن التزامات الشركة في مواجهة الغير الذي تعامل معه باسم الشركة، وذلك في الأحوال الآتية: أ/ إذا قام – بسوء نيَّة – بتصفية شركته، أو وقف نشاطها قبل انتهاء مدَّتها أو قبل تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله. ب/ إذا لم يفصل بين أعمال الشركة وأعماله الخاصَّة الأخرى. ج/ إذا زاول أعمالاً لحساب الشركة قبل اكتسابها الشخصيَّة الاعتباريَّة». وتنقضي شركة الشخص الواحد بالأسباب العامَّة المقرَّرة لانقضاء الشركات، كانتهاء مدَّة الشركة أو هلاك أموالها أو إفلاسها أو انتهاء الغرض الذي أُنشئت هذه الشركة من أجله، كما أنَّ وفاة مالك الشركة تعدُّ سببًا من أسباب انقضاء شركة الشخص الواحد ما لم يتَّفق الورثة على خلاف ذلك، فإن تعدَّدَ الورثةُ واتفقوا فيما بينهم على استمرار الشركة، ففي هذه الحالة تتحوَّل الشركة إلى نوع آخر من الشركات. أمَّا إذا كان الوارث فرداً واحداً وأبقى على هذه الشركة ففي هذه الحالة تستمر الشركة في ممارسة نشاطها وأعمالها.