ثمة عوامل عدة تغريك باقتناء كتاب ما وتدفع بك لقراءته: اسم الكاتب، موضوع الكتاب، عنوانه، غلافه، دار النشر التي أصدرته، مقدمته، كلمة الغلاف الأخير، وغيرها من العوامل. وقد توفرت معظم هذه العناصر في كتاب (الكتابة بحبر أسود) للكاتب البحريني حسن مدن. لم يسبق لي أن قرأت كتابًا مستقلا لمؤلف هذا الكتاب، إلا أنني أعرفه من خلال مقالاته الصحفية التي كنت قد قرأتها له من قبل، ورسخ اسمه في ذهني لسلاسة أسلوب كتابته وعمق فكرته واتخاذه من الأدب مدارًا يحلق فيه ويعود إليه. الكتاب الذي جاء دون تقديم أو توطئة من الكاتب أو من غيره، مجموعة من المقالات التي تتمحور حول الكتابة إجمالاً، وجاء مقسمًا على أربعة أجزاء هي: عن الكتابة، وعن الكاتب، وعن الكتب، وعن القراءة، وهو على الأرجح حصيلة مجموعة كبيرة من المقالات التي كتبها مدن على مدى سنوات طويلة ونشر معظمها (إن لم يكن جميعها) في الصحف اليومية، أو ربما المجلات الأسبوعية أو الشهرية والدورية. ولا سبيل لنا للتيقن من ذلك لأن المقالات غير مؤرخة، وليس هناك ذكر لمكان نشرها الأول. ومشكلة مثل هذه الكتب التي يعمد فيها كاتبها إلى جمع مقالات سابقة لتكون سدى ولحمة كتابه هي أن على الكاتب أن يكون حذرًا جدًا في انتقائها وترتيبها لتشكل وحدة موضوعية واحدة، إن شاء أن يقدمها بهذه الصورة، وهو ما يبدو أنها نية الكاتب المولع بالكتب والعاشق للكتابة. وسبب ذلك أن المقالات كتبت متفرقة دون أن يضع كاتبها نصب عينيه على الأرجح أن تكون جزءًا من مؤلف سيعمد إلى نشره لاحقًا حين اكتماله. هذا الأمر لم يكن متحققًا على نحو دقيق في هذا الكتاب للأسف، ففي القسم الأول منه، على سبيل المثال، والذي يتمحور الحديث فيه عن الكتابة، نجد أن الكاتب بعد مقالات كثيرة عن الكتابة ومفهومها وهمومها، ينتقل بنا فجأة للحديث عن الرواية وعوالمها، والترجمة ومشاقها، و«براءة الشعر من قائله». ورغم أن حديثه عن الرواية لا يخلو من أفكار نقدية مهمة، وتأملات عميقة، إلا أنها تأتي في سياق غير متجانس وتبدو مقحمة على الوحدة الموضوعية التي تمثلها المجموعة الأولى من المقالات التي اتخذت من الكتابة بمفهومها العام محورًا لها. كما أن بعض المقالات الطويلة نسبيًا ما هي، فيما يبدو، إلا مجموعة من المقالات القصيرة التي ضمت إلى بعضها بعضًا، وإن لم يكن بوسعنا التحقق من ذلك أو إثباته بشكل يقيني قاطع. أما في القسم الأخير من الكتاب الذي تمحور حول القراءة، فقد تحول بعد مجموعة قليلة من المقالات التي تتحدث عن القراءة وعوالمها إلى تقديم قراءات نقدية تعريفية عن بعض أهم التجارب الإبداعية العربية والعالمية مثل عبدالرحمن منيف وتشيخوف ورامبو وماركيز وغيرهم. ثمة أمر لافت استوقفني كثيرًا في ثنايا الكتاب وهو أن صفحات الكتاب تعج بالكثير من الأخطاء على اختلاف أنواعها؛ فإلى جانب الأخطاء الإملائية والنحوية والطباعية المألوفة في معظم الكتب العربية، هناك الأخطاء المعلوماتية، إن صح التعبير كالحديث مثلا عن رباعية لورانس داريل «جوستين» (ص 74)، والمقصود بالطبع رباعية الإسكندرية، التي تشكل جوستين أحد أجزائها. وهناك أخطاء كثيرة في أسماء الأعلام ليس هنا مجال حصرها. غير أن مثل هذه الأخطاء، التي كان يمكن تفاديها بشيء من التحرير الدقيق، لا تقلل في شيء من المتعة التي يمنحهاهذا الكتاب للقارئ، العاشق للكتابة والقراءة على وجه الخصوص، من كاتب عاشق للقراءة، ومتيم بالكتابة.