في عصر المعلومات، يعتبر التعليم أساس التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والأمنية والبيئية والاجتماعية. وتعتبر مملكتنا الحبيبة من الدول التي تولي التعليم بشكل عام، والتعليم العالي بشكل خاص، اهتماما كبيرا ومستمرا، كان آخره تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مشاريع وزارة التعليم في المنطقة الشرقية في زيارته للمنطقة الشرقية قبل أيام، ساهم ويساهم في تحقيق الرؤى والخطط التنموية، فتعليم الإنسان أساس لبناء المكان. وفي مراحل التنمية الشاملة والمتواصلة في مملكتنا الحبيبة عشنا الماضي، حيث كانت تتركز الخدمات، ومنها الجامعات، في المدن الرئيسة فقط، وما نتج عن ذلك من زيادة الهجرة من المناطق الأقل نمواً إلى تلك التي تحوي تلك الخدمات. وهو ما أدى إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية وبيئية مثل التلوث والازدحام المروري والضغط على الخدمات وعدم توازن التنمية وهدر الموارد. وبعد ذلك ونتيجة لخطط التنمية التي تشرف عليها وزارة الاقتصاد والتخطيط، ومن أهدافها تحقيق التنمية المتوازنة حيث أشارت في خططها الخمسية التنموية السابقة، والحالية العاشرة، إلى ذلك في هدفها الحادي والعشرين والذي ينص على «الارتقاء بكفاءة الخدمات والمرافق العامة المقدمة للسكان، وزيادة كفايتها في مختلف المناطق»، والهدف الثاني والعشرين «تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة»، وكذلك صدور الأمر السامي والذي يتضمن مراجعة أسس ومعايير التنمية، بهدف توزيع الخدمات بين مدن ومحافظات ومراكز المملكة، وتوفير الخدمات بشكل متوازن؛ لتقليص الهجرة إلى المدن الكبرى. حيث قضى الأمر السامي بتشكيل لجنة لوزارة الاقتصاد والتخطيط وبمشاركة كافة الوزارات لتقليص الهجرة من المدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة. ونتابع التصريحات الإعلامية عن قضايا التنمية ومنها، بعض المشاريع التنموية والجامعات والحاجة لها وما تتطلبه من تشغيل وصيانة، وما صاحبها من تفاعل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وجميعها تصريحات وتفاعلات في غاية الأهمية ومن القضايا التي يجب الوقوف عليها في مراحل تنفيذ رؤية المملكة 2030 لتحقيق التنمية التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتحقق تنمية متوازنة مستدامة بموارد بشرية مؤهلة علمياً في بيئة عمرانية صحية تواجه المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالاستخدام الأمثل للموارد. إن الحوار في قضايا المشاريع التنموية، ومنها الجامعات وأثرها، تبرز معه أهمية الدور الفاعل للكوادر البشرية المؤهلة المتخصصة في جميع مجالات التنمية ومنها مجال التخطيط الحضري والإقليمي من خريجي الجامعات الذين تم تأهيلهم علميا وعمليا للمشاركة في تخطيط وتنمية المدن والأقاليم لإيجاد تنمية متوازنة ومستدامة، وتوجيه مشاريع التنمية مكانياً وفق الحاجة والأولويات وقياس أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المدن والأقاليم ودورها في تحقيق خطط التنمية ورؤية المملكة 2030. وأخيراً وليس آخراً، في مراحل التخطيط والتنمية واتخاذ القرار، يعتبر الحوار من الآليات المهمة. كما أن دقة المعلومة واستخدامها بالطريقة العلمية التي يتم اكتسابها عن طريق التعليم، تعتبر أساسا لنجاح الحوار. ولتحقيق رؤية المملكة 2030 والاستفادة من الموارد والمنجزات التنموية، في ظل وجود العدد الحالي من الجامعات بجميع مناطق المملكة وكذلك في ظل وجود 44 ألفاً و792 سعوديا يحملون درجة الدكتوراة في عام 2016 وفق المسح الديموغرافي الذي أجرته هيئة الإحصاء السعودية، تبرز أهمية الاستفادة من تلك المنجزات والموارد برسم استراتيجية للتنسيق بين مراكز الدراسات والأبحاث بالجامعات ومركزين مهمين هما «مركز اتخاذ القرار» الذي وافق على تنظيمه مجلس الوزراء في 16/5/2016م والذي يهدف إلى رصد وتحليل الأحداث والتطورات والمتغيرات والظواهر والقضايا الداخلية والإقليمية والدولية وانعكاساتها، وإبداء الخيارات والبدائل المناسبة حيالها، واقتراح التصورات المثلى للتعامل معها. كما يهدف إلى إعداد الدراسات المستقبلية، ومتابعة المستجدات والتحديات المحتملة في مختلف المجالات، وتقديم المقترحات اللازمة لمواجهتها، وإضافة إلى إعداد الدراسات المتعلقة بالموضوعات ذات الأولوية من الناحية التنموية وما يواجهها من عوائق وصعوبات ومشكلات، وطرح التوصيات في شأنها. المركز الثاني هو «المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية التنموية» الذي وافق مجلس الوزراء على تنظيمه في 6/6/2016م، والذي يهدف إلى الإسهام في تعزيز العملية التنموية للاقتصاد الوطني من خلال كونه حاوية فكرية استشارية تُناط بها مسؤولية تحديد أهداف وسياسات وبرامج قابلة للتطبيق، تضمن تحقيق النمو الاقتصادي ضمن المتغيرات المحلية والعالمية، والتنفيذ الفعال للخطط والسياسات الاقتصادية والتنموية، وتقديم الدراسات والاستشارات اللازمة للقطاعين العام والخاص لمعالجة قضايا التنمية.