لماذا انتشرت الهامبورجر والهوت دوج والبيتزا بالرغم من أن أصول هذه الأطعمة غير أمريكية ولم تشتهر عندما كانت في موطنها الأصلي بالرغم من الاختلاف النسبي بينها في التذوق والانتشار وكما هو حال الشاورما والمنسف والفطيرالمشلتت والعصيدة والكبسة من الأطعمة العربية وأطعمة الشرق الأقصى والغربية؟. ولو عرجنا في مقارناتنا إلى الملبس، فعلينا أن نقارن الجينز والتشيرت بالسروال الشامي والألبسة الشرقية المحترمة الغترة والعقال أو الزى الفرنسي الأنيق أو الزى البريطاني والإيطالي المفرط في التقاليد المعقدة. وهل ستكون المبررات منطقية لهذا الانتشار ان جعلنا السبب الهيمنة الإعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية كما هي مقولة «ابن خلدون» إن المغلوب مولع بتقليد الغالب؟. ولعدم قناعتي بهذه الأسباب فسأجردها من قواعدها الثابتة وأتحدث عن الماضي وأقول «إن العقل الأمريكي المؤسس هو عقل منطلق على عكس العقل الأوروبي والعربي، الذي أصبح مقيدا أكثر فأكثر بقيود الماضي». وما يجب أن نتذكره أن هذا الماضي ما هو إلا فعل تراكمي يطلق عليه مسمى حضارة وهذه الحضارة الإسلامية ماثلة وما زالت راسخة بجذورها عبر العصور مهما مرت عليها من تقلبات، اعترتها فترات وهن وضعف ولكنها لم تمت. وما أنت فيه اليوم من تقدم وتكنولوجيا ما هو إلا ارث التقطه مَنْ استطاع تفعيله، إما عن تخاذل أهل الحضارات عن هذه المقومات، التي يملكونها لا تكون كافية للمتحضرين الادعاء بامتلاكها مهما استخدموا من عبارات التبرير. أما عن جماعات الهجرة والانصهار في المجتمع الجديد، فهؤلاء يمارسون عمليات تهجين بين الحضارات والآخرون يمارسون عملية استنساخ لحضاراتهم والفرق أن عمليات التهجين كسبت الجولة من المستنسخين، ولكنها ليست نهاية المطاف، حيث إن الحضارات ما زالت متجذرة حتى النخاع في ارثها الحضاري ولا تستطيع أي مهارة تهجينية سلخها من جلدتها الأصلية. نعم أن التهجين ينتج عنه محصول نضر وجميل حجما وشكلا، ولكنه فاقد اللون والطعم ناقصا في فيتاميناته، وبالرغم من كل ذلك نجد في أمريكا أن الجالية الصينية لم تنصهر في المجتمع الأمريكي وأصبحت بارزة للعيان وتمارس كل ثقافاتها دون تأمرك، وكذلك المجموعات الأفريقية لها حيز لا ينسى تمتهن فعل الأجداد، والمجموعة الهندية لم تستطع أن تهمل طقوسها أو تغفل عن عروقها ولا يقف الحال عند القارة الآسيوية أو الأفريقية، بل هناك تحزبات عرقية تنحدر من أوروبا. كل هذه التكوينات لم يصهرها الاندماج بالرغم من مرور قرن ونصف القرن لا والأمر من كل ذلك أن هذا التمحور يشكل منعطفا خطيرا على البناء الهيكلي لأمريكا، بل يهدده بالانهيار كما حدث في المجتمع السوفيتي عندما تضعضعت قدراته وقلت إمكاناته. أما عن الأضواء المبهرة، التي تحاول أمريكا أن تسلطها بإبرازها قدرات وإمكانات خرافية يعجز عنها الآخرون كل ذلك أصبح لها سهلا عندما انفردت كقوة عظمى ذات القطب الواحد. فتشكلت لديها السطوة بالجبروت فأصدرت قانون «جاستا» لتأكيد انفراديتها في هذا الكون ولكنها واهمة. نعم إنهم يملكون التقدم بكل تقنياته ولكنهم لا يملكون حضارة. وهنا يجب التذكير بأن أي مجتمع يرتكز على التهجين فقط بدون حضارة تسنده يفقد خواص التكوين والبقاء.