كم هو مؤلم حقاً أن يزور الواحد منا دول الجوار الخليجية بين الفينة والفينة ليرى شباب هذه الدول بزيهم الوطني الجميل الراقي الأبيض النظيف على اختلاف تصميماته التي تختص بكل بلد على حدة، ويندر من بين هؤلاء الشباب الخليجيين من يرتدي البنطال أو الزي الغربي بشكل عام، رغم ما نسمهم به من التحرر والاستغراب.. بينما يتجول الواحد منا يمنة ويسرة في الشوارع والأزقة والأسواق، بل والجامعات والمعاهد في بلادنا المسلمة ليرى العجب العجاب، شباب لا يرتدون إلا الجينز، ولا يرتدون منه إلا المرقّع والمتّسخ وهي الموضة التي تحدثت عنها مراراً في هذه الجريدة الغراء، وقلت في مقالة عنوانها: «أمريكا تصدر لنا قمامتها»، إن شركات الأزياء العالمية باتت تروج لنوع غريب من البناطيل التي تنتج على أنها قديمة ومستعملة ومقطعة ومرقعة ومتسخة، وكأنك جلبتها من صناديق القمامة، وبقدر ما تزيد الرقع أو يزيد التمزق فيها يرتفع ثمنها، وكما يقال بالبلدي: رزق الهبل.. المهم أن شبابنا ذكوراً وإناثاً باتوا لا يرتدون إلا هذا النوع من الملابس إضافة إلى ما يسمى (تي شيرت)، وهي فانيلة، ملونة أو عليها بعض الرسوم أو بعض العبارات الأمريكية النابية، خلاف (الشوش) وهي جمع (شوشة) وتعني الشعر الأشعث الأغبر الأكرت المنفوش الذي لا ترى وجه صاحبه، ذلك في الأعلى، أما في الأسفل، فغالباً ما ينتعل هؤلاء الشُّعث الغبر ما يسمى (الزنوبة) أكرمكم الله ، المعروفة للجميع. أقول وبالله التوفيق: إن هذا النوع من الملابس يناسب بيئة بعينها وأجساماً بعينها وألواناً بعينها أيضاً، مثل البيئة الأمريكية التي قد لا يغتسل فيها بعض الناس لأيام أو أسابيع، وقد تكون هذه الملابس مناسبة لطوال القامة وممتلئيها وبيض البشرة وذوي الشعر الناعم الأملس، ولكن لا تناسب أبداً شبابنا من قصار القامة (في معظمهم)، وداكني البشرة وذوي الشعر (الأكرت)، إضافة إلى الهزال المفرط في كثير من الأحيان، والأولى بهم أن يستروا كل ذلك بلباس هذه البلاد التي لا يناسبها غيره: الثوب الفضفاض الأبيض، والغترة فإن كان القصد من ارتداء الجينز والتي شرت وسواها التجمل، فإن ذلك لا يحصل أبداً، بل يزيد بعض الشباب دمامة على دمامة. وكم يشعر الواحد منا بحسرة كما أسلفت حين يزور دولة كالإمارات مثلاً، ليجد شبابها في مجمله متزيناً بزيه الوطني الذي يتشابه فيه الجميع تقريباً، وفي الثوب الإماراتي الجميل المزين بالقيطان، والعمامة الإماراتية العربية الأصيلة المعروفة أو الغترة العادية التي تشبه الغترة السعودية وعليها العقال، بل إنهم يتشابهون فيما ينتعلون (أعزكم الله) فلهم نوع خاص من الفعال المميز، ولا يختلف عنهم شباب قطر بثوبهم الأبيض الفضفاض المعروف وغترتهم البيضاء غالباً، وعقالهم ذي الذيل الطويل الجميل، ناهيكم عن أبناء عمان الذين تتشابه ثيابهم، وتتشابه من قبلها عمائمهم العمانية النفيسة المعروفة التي يغزل بعضها من وبر الحملان الصغيرة. وكذلك الأمر في الكويت والبحرين بحيث تستطيع أن تميز هندام كل مواطن خليجي على حدة من النظرة الأولى فتقول: هذا قطري، والآخر إماراتي، والثالث عماني، وهكذا، ولا يختلف الأمر بالنسبة للزي السعودي الوطني المميز الجميل الأنيق بين شماغ أحمر أو غترة بيضاء، أو ثوب (بكبك) أو من غير (كبك)، وسوى ذلك من المواصفات، ولكن شبابنا قد هجر هذا الزي هجراناً واضحاً وتمرد عليه، مع أن الشباب الخليجي الآخر اقرب إلى هجر زيه الوطني لأن المجتمعات الخليجية الأخرى أكثر انفتاحاً –كما يظن البعض- ومجتمعنا أكثر محافظة والتزاما كونه بلد الحرمين الشريفين، ومع ذلك نرى الشباب في الدول الخليجية الأخرى أكثر تمسكاً ومحافظة على زيه الوطني. ولمواجهة هذه الظاهرة غير المستحبة أرى أن نعمد إلى أسلوب التوعية أولاً وإلى أسلوب القدوة، فكثير من المسنين اليوم في مجتمعنا باتوا لا يتحرجون من لبس الجينز والتي شرت وسواها وكان ذلك معيباً جداً في الماضي، فإن فعل ذلك الكبار فلا عجب أن يفعله الصغار. ومن أساليب مواجهة هذه الظاهرة والحد منها كذلك أن نتشدد ولو قليلاً في المحافل العامة من تعليمية وغيرها ونفرض على الشباب الالتزام بالزي الوطني مثل حضور المحاضرات في الجامعات أو المنتديات الثقافية وسواها ويقع الواجب الأكبر بعد ذلك على أولياء الأمور الذين ينبغي عليهم أن ينصحوا أبناءهم، وأن ينكروا عليهم مظهرهم إن كان مشيناً كما أسلفت وأن لا يشجعوهم عليه بشراء هذه الملابس السيئة الرديئة، ويبقى أن أقول إن زينا الوطني الجميل المحتشم المناسب لبيئتنا ومناخنا ومجتمعنا يمثل جزءاً مهماً من انتمائنا الصادق لهذا الوطن الغالي. [email protected]