في أمريكا لا يزال الفصل العنصري قائماً رغم التشريعات وقوانين الردع غير أن تكرر المصادمات بين الشرطة الأمريكية والسود، والتي غالباً ما يكون ضحاياها من السود والذين، في غالب الأحيان لا تدينهم المحاكم فجر غضب السود في مناسبات مختلفة.. صحيح أن أمريكا، وبإرادة شعبية شاملة، انتخبت أوباما الأسود ذا الأصول الأفريقية لكن ذلك لم يحجب طبيعة الفوارق العرقية، سواء في الولايات ذات الأغلبية البيضاء أو السوداء، لكن حادث مدينة (فيرجسون) الذي راح ضحيته فتى أسود برصاص شرطي أبيض، فجر المكبوت بين أصحاب اللونين لتبدأ التظاهرات والاحتجاجات لتعم ولايات عديدة في أمريكا، ورغم إدانة الحادث ورفض قرار المحكمة، إلا أن بذور الصراع تبقى مستمرة، وهو ما أشار إليه العديد من الدارسين للمجتمع الأمريكي، وكيف وصلت نسب الفقر الهائل بين الأعراق الأفريقية ومن يُستهدفون تحت أي ظرف لإدخالهم السجون وتعريضهم للمحاكمات، حداً لا يطاق.. الضحية (مايكل براون) لن يكون بالنسبة للشعب الأمريكي «محمد البوعزيزي» الذي فجر الثورة التونسية، ولن تكون الأحداث شبيهة بالثورة البرتقالية في أوكرانيا، ولكنها مؤشر بأن القلاع الديموقراطية لا تطبق تشريعاتها بشكل عادل حتى إن تمييع قضايا كبرى مثل قتل الرئيس (كندي) تبقى لغزاً، فكيف بمواطن أسود لا يشكل معياراً لأي تأثير؟ أمريكا استطاعت أن تذيب الأعراق في بوتقتها، وتبني مجتمعاً لا زال في قمة العالم من حيث التطور وتبني العباقرة والمبدعين في كل المجالات ومن أي جنس ولون حتى إن طابعها الفني والثقافي العابرين للمجتمعات، أصبحا المؤثر في حياة شعوب وأجيال جديدة، لكن ذلك لا يغيب الحقيقة بأن الرأسمالية المتوحشة لا تزال المهيمن وصانعة المسيرة السياسية والاجتماعية وبالتالي، فإن الخروقات التي تحدث قد يتجاوزها الأمريكي مثل حادث معبد الشمس الذي كان تجمعاً وخليطاً من الدين وعدالة الشيوعية والذي قام أصحابه باللجوء لغابة للحاق بزعيمهم (جونز) والنهاية كان المعلم يدعو لانتحار جماعي لعناصر حركته فأقدموا على قتل أطفالهم أولاً ثم قاموا بالانتحار الجماعي لما يصل إلى تسع مئة شخص، وهي الصورة المرعبة التي اجتاحت أمريكا والعالم.. في مجتمع كهذا يمكن أن تنمو أي اختلالات اجتماعية سواء بدافع ديني أو عرقي يضاف إليها العداء مع أمريكا في العالم سواء من يجسد فيها روح القوة الغاشمة أو يحدها على تطورها وفي كل الأحوال، فإن البلد الذي يفتح كل يوم ابتكارات جديدة، يفقد المئات في حوادث أغرب من الخيال.. ليست أمريكا الوجه القبيح كما سماها أحد الدارسين من مواطنيها وليست الجنة الجديدة، فهي تمازج بين الشر والخير، والعنف والتعايش، لكنها لا تعرف التسامح حين تريد فرض مصالحها في القوة العسكرية أو الضغوط والمقاطعات أو أي سلوك تراه يحقق أهدافها.. كثيرون رأوا أن المرحلة الأمريكية لن يكتب لها الديمومة، وسيولد الصراع من داخلها إذا مافقدت قدرتها الاقتصادية، أو زاحمتها عليها قوى أخرى، وهي احتمالات ترتكز على مبدأ رؤية أحد مفكريها (بول كندي) في كتابه الشهير «صعود وسقوط الحضارات» وبناه على ترهل الدولة والمجتمع وانتشار الفساد أو «فرط التوسع الاستراتيجي».. وفي العموم قد تكون بذور وجذور العنصرية إحدى هذه العوامل في المستقبل ولا حق الأيام. لمراسلة الكاتب: [email protected]