الشرط الجزائي، المُستمد من إرادة طرفي العقد، وسيلة ناجعة لضمان تنفيذ العقود والالتزامات المتبادلة بين الطرفين، بدءاً بالتنفيذ العيني للالتزام الأصلي، وأن يكون التنفيذ كاملاً وسليماً من كل عيب، وأن يتم في موعده المحدد، بحيث يترتب على الإخلال بهذا الشرط المطالبة بالتعويض. وقد عرّف مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي الشرط الجزائي بأنه: «اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم يُنَفِّذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخّر في تنفيذه». ويفهم من هذا أن قيمة الضمان والشرط الجزائي هي تعويض اتفاقي مُقدّر سلفاً من قبل طرفي الالتزام، كما اشترط المجمع، لسريان هذا الشرط، أن يكون جبراً للضرر الذي أصاب أحدهما جراء عدم تنفيذ الالتزام، أو بسبب التأخير في التنفيذ. وفي هذا، فقد يرى طرفا الالتزام أن مصلحتهما تقتضي أن يتوليا بنفسيهما تقدير التعويض المستحق لأي منهما عند إخلال الطرف الآخر بالتزاماته العقدية، بأي صورة من صور الإخلال. وهناك أسماءٌ أخرى عدة تطلق على الشرط الجزائي، وينبغي الإشارة إليها، من ضمنها التعويض الاتفاقي، والتعيين بالاتفاق، والبند الجزائي. وهناك العديد من الغايات والأهداف التي تدفع أطراف العقد إلى إدراج وتقدير حجم الشروط الجزائية، منها تفادي التدخل القضائي لتقدير التعويض المستحق عند الإخلال بالالتزام المتفق عليه أو التأخر في تنفيذه. ومنها تهديد الطرف الذي عليه الالتزام، لحمله على الوفاء بما التزم به في الموعد المتفق عليه، دون تباطؤ أو تراخٍ، أو غير ذلك من الأسباب والغايات الأخرى التي تقود إلى إدراج مثل هذه الشروط. ومن منظور شرعي، قررت هيئة كبار العلماء، وهي أعلى سلطة إفتائية في المملكة العربية السعودية، في قرارها بشأن الشروط الجزائية، رقم (25) الصادر في 21/08/1394ه، الموافق 08/09/1974م، أن الشروط الجزائية بالعقود تُعد سارية المفعول وقابلة للتطبيق، ما لم يتم تقديم أسباب مقبولة تبرر رفضها. ونص القرار كذلك على أن المبالغ المتفق عليها في الشروط الجزائية يجب أن تكون عادلة وغير باهظة، مقارنة بالأرباح المهدرة والخسائر المتكبدة. * ( قرار رقم: 109 (12/3)، مجلة المجمع ( العدد الثاني عشر ج 2، ص 91 ). كذلك، ذكرنا آنفاً أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، أجاز الشروط الجزائية في قراره رقم (109) (12/3) الصادر في 29/06/1421ه، الموافق 28/09/2000م، كما أصدر عدداً من القرارات بخصوص تلك الشروط، مأخوذة من المبادئ المقبولة شرعاً. وأكد المجلس في قراره المُشار إليه آنفاً، أن الشروط الجزائية مقبولة طالما أنها لا تتعلق بالديون (أو الالتزامات المالية) لأنها، حينذاك قد تُعد فوائد (ربا) وتُصبح محرمة وفقاً للشريعة الإسلامية. كما أوضح أن تطبيق الشرط الجزائي ليس لازماً في الحال التي يكون فيها الطرف المعني غير قادر على الوفاء بالتزاماته بسبب القوة القاهرة، أو نتيجة تعرضه لأسباب خارجة عن إرادته، أو إذا ثبت أن الطرف مقدم المطالبة لم يتكبد في الواقع أي خسائر أو أضرار. ويلزم، لاستحقاق تنفيذ الشرط الجزائي توافر الأركان العامة للمسؤولية وهي: ركن الخطأ في جانب الطرف الذي عليه الالتزام، وركن الضرر، الذي يقع عبء إثباته على المضرور، وركن العلاقة السببية التي تربط بين الخطأ والضرر، بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ، فلا يفصل بينهما سبب أجنبي يؤدي إلى انتفاء مسؤولية مُحدث الخطأ عن الضرر الذي أصاب المضرور. إلى جانب ضرورة توافر شرط الإعذار، مع مراعاة استثناء الحالات التي يُعفى فيها الدائن، قانوناً أو اتفاقاً، من واجب الإعذار. وأثناء عرض أي نزاع، بشأن قيمة الشرط الجزائي المدرج في العقد، على القضاء للفصل فيه، فالأصل، في هذه الحال، أن يقضي القاضي بقيمة الشرط الجزائي المتفق عليه والذي تضمنه العقد، لأن هذا الاتفاق يعبر عن إرادة وتقدير الطرفين، وبالتالي يجب على القاضي، كأصل عام، أن يحترم ما اتجهت إليه إرادة الطرفين، ومن ثم أن يحكم بقيمة الشرط الجزائي دون زيادة أو نقصان، إذا توافرت شروط استحقاقه. واستثناءً من هذا الأصل، وباعتبار أن قوة العقد الملزمة ليست أقوى من النص الشرعي الملزم للمخاطبين به، وتطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، فإن القاضي يملك سلطة تعديل العقد إذا تحققت ظروف معينة تقتضي هذا التعديل. ولما كان القاضي يملك السلطة في فسخ عقد مبرم بين متعاقدين، إذا كانت الغاية من هذا الفسخ إبعاد الضرر المُرهِق لأحد المتعاقدين، أو منع تجاوز الإرهاق الحدود الطبيعية للمشقة المعتادة، فإن القاضي، من باب أولى، يملك سلطة تعديل العقد من أجل تحقيق الغاية نفسها، وهي إزالة الإرهاق عن أحد المتعاقدين، ويكون تعديل قيمة ومقدار الشرط الجزائي، بالزيادة أو النقصان، وفق ضوابط شرعية ونظامية. ولا تُعد سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي مطلقة، إذ يُشترط وقوع حالات محددة، حصراً، للتعديل، منها لو ثبت للقاضي قيام المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً جزئياً، أو تنفيذاً كلياً لكن بطريقة مختلفة عما تم الاتفاق عليه في العقد، ففي هذه الحال يتدخل القاضي، بموجب سلطته التقديرية، لإنقاص قيمة الشرط الجزائي. وهذا الإنقاص، بلا شك، يتفق ويتماشى مع مقصود الإرادة المشتركة لطرفي العقد، إذ من الإنصاف والعدل ألا يحكم القاضي للدائن بكامل قيمة الشرط الجزائي، إذا كان المدين قد أوفى بجزء من التزامه. وبالتالي يتم هنا تطبيق جزء من الشرط الجزائي بما يوازي ما أخل به المدين، حيث لا بد أن يكون مقدار التعويض مساوياً للضرر الواقع فعلاً، وبالتالي، فعند قيام المدين بتنفيذ جزء من التزامه الأصلي يكون الضرر أخف من عدم قيامه بتنفيذ الالتزام بشكل كلي. ويمكن أن ينص الشرط الجزائي على التعويض في حال وجود عيب في التنفيذ، أو في حال لم يتم تنفيذ المُتعاقد عليه تنفيذاً سليماً، وهنا يستحق الدائن التعويض كاملاً، إذا كان في التنفيذ الكلي عيبٌ، وذلك وفقاً لإرادة الطرفين. ولكن، إذا تبين للقاضي ناظر الموضوع أن العيب غير جوهري أو غير جسيم ولا يتوافق مع حجم التعويض، فإنه يملك السلطة لتعديل وتخفيض هذا الشرط كما يراه ويقدره مناسباً. وكما أن للقاضي سلطة تخفيف الشروط الجزائية، فإنه، كذلك، يملك السلطة لزيادة مقدار التعويض إذا رأى أن التعويض المُقرر في العقد ليس مساوياً للضرر الفعلي، كأن يكون قليلاً بدرجة كبيرة، تكاد تكون إعفاءً من المسئولية العقدية بين الطرفين، حيث لا يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو تخفيضها. ولما كان هذا استثناءً لما هو مستقر عليه وهو أن «العقد شريعة المتعاقدين» فلا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه، ولا بد من احترام إرادة الطرفين، فلا تكون زيادة أو إنقاص مقدار التعويض مبالغاً فيهما. ومن جانبٍ آخر، يملك القاضي السلطة لإبطال الاتفاق إذا ثبُت له أن الإخلال بالالتزام كان نتيجة الغش، أو كان الخطأ والضرر جسيماً، بحيث بدا جلياً أن المدين، الذي أخل بالالتزام، اتخذ هذا الشرط، المتفق عليه، غطاءً مسبقاً للتهرب من المسؤولية. وبهذا يتبين لنا أنه على الرغم من أن الشروط الجزائية مقبولةٌ مبدئياً، إلا أن للقضاء سلطة تقديرية فاعلة عند النظر في الشروط الجزائية، حيث يراعي المواءمة بين مبدأ احترام العقود، وفكرة العدالة، وعدالة العقود، سعياً لتحقيق الهدف الأمثل وهو العدالة بين المتخاصمين.