تحدثنا في المقالات السابقة عن الأخطاء الطبية وسقنا الحديث فيها بالتعريف بالممارس الصحي وكيف يمارس مهنته من منظور قانوني، وما هي واجباته تجاه مرضاه، كما بينا أن العمل الطبي دائما يستهدف مصلحة المريض وأن العلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة إنسانية قبل أن تكون عقدية، وأن عمل الممارس الصحي لا يخلو من المساءلة في حال إخلاله بواجباته العملية، كما عرفنا الخطأ الطبي وتكوين الهيئة الصحية الشرعية واختصاصاتها وكيفية إصدار قراراتها، وسوف أتحدث إليكم اليوم بيانا عن إجراءات رفع الشكاوى من المضرور من الخطأ الطبي، وكيفية التحقيق والتحقق من وقوع الخطأ وإصدار القرار بالشكوى. فعندما يرفع المريض المضرور من الخطأ الطبي أو ذووه أو ورثته الشرعيون في حالة وفاته لا سمح الله أو المحامي الموكل في القضية دعوى ضد الممارس الصحي الذي أخطأ في العلاج أو التشخيص، يتم التحقيق معه ويحاكم أمام الهيئة الصحية الشرعية لارتكابه هذا الخطأ الذي أضر بالمريض، وإذا انعقدت مسؤولية الطبيب عن هذا الضرر يتم تعويض المريض أو ذويه أو ورثته في حالة مطالبتهم بالتعويض الذي تسبب به الطبيب بسبب اهماله أو تقصيره، ويخطئ كثير من المضرورين أو وكلائهم في صياغة الشكوى ضد الطبيب، فهي غالباً تتضمن الطلب بمحاسبة ومعاقبة الطبيب في حين أن المفترض أن تتضمن التعويض عن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب، حيث إن محاسبة ومعاقبة الطبيب تتولى طلبها جهة مختصة في ذلك وهذا ما بينته بجلاء المادة (36) من نظام مزاولة المهن الصحية، حيث أوضحت أن الادعاء العام بهيئة التحقيق هو من يمثل الحق المتمثل في محاسبة ومعاقبة الممارس الصحي في هذه المطالبة أمام الهيئة الصحية الشرعية، أما كيفية إجراءات رفع الشكوى فلمن أصابه ضرر من الخطأ المهني الصحي أو لوارثه في حالة وفاته، التقدم بالشكوى ضد الممارس الصحي إلى رئيس المرفق الصحي أو مديره الذي ارتكب الخطأ الطبي فيه وقد توجه إلى مدير الشؤون الصحية بالمنطقة التي وقع بها الخطأ الطبي، وقد توجه إلى أمير المنطقة الذي يحيلها بدوره إلى الجهة المختصة، أو إلى وزير الصحة الذي يحيلها بدوره إلى المرفق الصحي الذي يعمل فيه الممارس الصحي للاستفسار عن حقيقة ما جاء في الشكوى المنظورة أمامه، حيث نصت المادة (40) في فقرتها الثانية من اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية على أنه (يجوز لكل من أصابه ضرر من الخطأ المهني الصحي المنصوص عليه في هذا النظام أو لوارثه في حالة وفاته أن يتقدم إلى المرفق الصحي الذي وقع فيه الخطأ الطبي أو مدير الشؤون الصحية ذات العلاقة أو للوزير بطلب التحقيق وتعد الشكوى المقدمة ممن أصابه الضرر أو نائبه أو وليه أو وارثه بسبب الخطأ المهني الصحي مطالبة بحقه الخاص ويجوز طلب التحقيق في الخطأ المهني الصحي حتى ولو لم يكن هناك دعوى بالحق الخاص) حيث بينت المادة بجلاء كيفية تحريك الدعوى بالحق الخاص من المضرور بالخطأ الطبي أو ذويه، فبعد رفع الشكوى يتم التحقيق الأولي في الشكوى المقدمة ضد الممارس الصحي من قبل الجهة الإدارية التابع لها المرفق الصحي ويكون التحقيق فور تقديم الشكوى كما يجوز منع سفر المدعى عليه من قبل المحقق، وهذا ما نصت عليه المادة (40) الفقرة الثالثة من لائحة نظام مزاولة المهن الصحية، كما يتولى إجراء التحقيق المختصون من ذوي الخبرة والكفاءة ويقوم باختيارهم مدير الشؤون الصحية المختص، ويتولى المحقق المكلف بإجراء التحقيق إبلاغ الخصوم وهم المضرور (الشاكي) والممارس الصحي (المشكو ضده) باليوم والساعة التي يباشر فيها التحقيق وإجراءات التحقيق والمكان الذي يجري فيه قبل موعد إجراء التحقيق بوقت كافٍ، كما يجب على المحقق عند حضور المدعى عليه بارتكاب الخطأ الطبي لأول مرة في التحقيق أن يدون جميع البيانات الشخصية الخاصة به ويحيطه علماً بالمخالفات المنسوبة إليه ويثبت ذلك في المحضر وما يبديه المدعى عليه في شأنها من أقوال، وللمحقق أن يواجهه بغيره من ذوي العلاقة أو المدعين أو الشهود ويوقع على أقواله بعد تلاوتها عليه، كما يتم التحقيق في حالة لا تأثير فيها على إرادة المدعى عليه في إبداء أقواله وللخصوم أن يقدموا إلى المحقق أثناء التحقيق الطلبات التي يرون تقديمها، وعلى المحقق أن يستمع إلى أقوال كل من له علاقه مباشرة بالمخالفات الصحية موضوع التحقيق وأن يستمع إلى أقوال الشهود الذين يطلب الخصوم سماع أقوالهم وأن يثبت في محضر التحقيق البيانات الكاملة عن كل شاهد وأن يستمع لكل شاهد على انفراد وله أن يواجه الشهود بعضهم ببعض بالخصوم ويوقع كل منهم على أقواله، كما يجوز للمحقق أن يستعين بمن يراه من المختصين لإبداء الرأي في أي مسألة متعلقة بالتحقيق الذي يجريه، ولأي من الخصوم أن يقدم تقريراً من مختص آخر بصفة استشارية، علماً بأن جميع إجراءات التحقيق والنتائج التي تسفر عنها تعد من الأسرار التي يجب على المحققين وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، كما يقوم المحقق بعد الانتهاء من التحقيق بإعداد تقرير يتضمن الوقائع التي تم التحقيق فيها والأدلة والقرائن والنتائج التي انتهى إليها التحقيق مع إسناد كل مخالفة إلى المادة النظامية التي تتعلق بها والتوصية بإحالة القضية إلى الهيئة الصحية الشرعية أو لجنة المخالفات الصحية المختصة للأسباب التي يستند إليها أو أن يوصي بأنه لا وجه للسير في الدعوى لعدم ثبوت خطأ طبي يقتضي ذلك، كما يرفع المحقق تقريره إلى مدير عام الشؤون الصحية المختص لإصدار القرار اللازم بالإحالة إلى الهيئة الصحية الشرعية أو أي من لجان المخالفات الصحية المختصة أو حفظ الأوراق لعدم وجود خطأ طبي أو مخالفة لأحكام الأنظمة الصحية المعنية تقتضي العرض على هذه اللجان، وفي حالة عدم قناعة صاحب الشأن بالقرار فله أن يتظلم إلى وزير الصحة أو إلى ديوان المظالم (المحكمة الإدارية) كما أنه عند إحالة الدعوى إلى الهيئة الصحية الشرعية أو أي من لجان المخالفات المختصة يسلم المحقق كافة أوراق التحقيق وكامل مشفوعاته من وثائق ومستندات وملفات طبية إلى أمانة الهيئة أو اللجنة المحال إليها وعلى الأمانة التأكد من توفر متطلبات نظر الدعوى وعناوين جميع أطرافها وإثباتها في سجل خاص بذلك وتحديد جلسة لنظرها وإبلاغ الخصوم وجميع ذوي العلاقة بالحضور أمام الهيئة أو اللجنة المختصة قبل انعقاد الجلسة بوقت كافٍ، كما تعد أمانة الهيئة الصحية الشرعية واللجان المختصة ملفاً مستقلاً لكل قضية، وتسمع وتدون أقوال ذوي العلاقة باللغة العربية، فإذا كان أحدهم لا يتكلم العربية فعليه اصطحاب مترجم يثق به أو أن يوافق على قيام أحد الأعضاء بالترجمة، وقد بينا في المقالات السابقة تكوين الهيئة الصحية الشرعية واختصاصاتها، فعند ورود ملف القضية للهيئة الصحية الشرعية يقوم أمين سر الهيئة بكافة الأعمال الإدارية والإجرائية المنصوص عليها في النظام والمتعلقة بالدعاوي التي تنظرها الهيئة وتدقيق المعاملات الواردة إليها وإبلاغ أطراف الدعوى. ويعد محضر الجلسة تحت اشراف رئيس الهيئة ويثبت بالمحضر اسم الرئيس والأعضاء والمدعي والمدعى عليه والمدعي العام ووقت انعقاد الجلسة واقوال الخصوم، وتسمع الهيئة دعوى المدعي بالحق الخاص وتجعل لكل طرف حق التعقيب على اقوال الطرف الآخر ثم توجه للمدعى عليه المخالفات المنسوبة إليه في الجلسة وتسأله الجواب عن ذلك، فإذا أنكر المدعى عليه المخالفات أو امتنع عن الإجابة فعلى الهيئة أن تنظر في الأدلة المقدمة وتجري ما تراه لازماً بشأنها ولكل من الخصوم أن يطلب سماع من يرى من الشهود والنظر فيما يقدمه من أدلة ولأي من الخصوم أن يقدم للهيئة ما لديه مما يتعلق بالقضية مكتوباً ليضم إلى ملف القضية، وبعد ذلك تصدر الهيئة قراراً بعدم إدانة المدعى عليه أو إدانته وتوقع العقوبة عليه بالحق العام وتفصل في الطلب المقدم من المدعي بالحق الخاص، ويجب أن يكون قرار الهيئة مسبباً مدعماً بإسناد جميع وقائع أو حيثيات قرارها إلى النصوص النظامية المتعلقة بها، ويكون للمدعي الحق بالتظلم من قرار الهيئة أمام ديوان المظالم خلال ستين يوماً من تاريخ إبلاغه بقرار الهيئة، وبهذا نكون اليوم قد تطرقنا إلى إجراءات رفع الشكوى وآلية التحقيق فيها وإصدار قرار الهيئة الصحية الشرعية.