هذا هو واقع القيادة في بعض شوارع المملكة التي تضج بالسرعة وبالتهور وكأنك تعيش أجواء سباق الفورمولا للسيارات والتي تقام في بعض دول العالم. لكن الفارق هو أن الفورمولا هو سباق مقنن في مكان محدود ومعروف مسبقا مع ضمان الأمن والسلامة للحضور وللمشاهدين على الأقل، بينما مشكلتنا تكمن حين نعيش الفورمولا كل يوم في شوارعنا الصغيرة دون أدنى حماية. فسبع عشرة حالة وفاة كل يوم في المملكة ناتجة عن مئات حوادث السيارات (حادث كل دقيقتين) بخسائر تقدر بحوالي 13 مليار ريال سنويا تضع المملكة في مقدمة دول العالم في عدد حوادث السيارات. ولا يمكن وصف العدد الذي يقترب من 90 ألف حالة وفاة خلال العقدين الماضيين بالطبيعي بأي حال من الأحوال. وبتشخيص أسباب الحوادث عالميا يتبين أنها تتلخص في المركبة والطريق وحركة المرور والضوء والطقس والسائق، وذلك بنسب متفاوتة بين بلد وآخر. أما في المملكة فتقع النسبة الأكبر على السائق الذي إما أنه لم يخضع لتدريب كافٍ على القيادة وقوانينها والالتزام بها أو أن هناك تساهلا في منح رخص القيادة لدينا، أو تقصيرا في تطبيق عقوبات مخالفي قوانين المرور. ولذلك فإن السائق لدينا يبدو لا مباليا تجاه من حوله عندما يقود في داخل المملكة، لكنه يتغير بقدرة قادر إلى سائق مثالي على بعد خمسة وعشرين كيلومترا عندما ينتقل إلى البحرين مثلا. هذه الدماء التي تسيل يوميا على الاسفلت الأسود تجعلنا نفكر ألف مرة في كيفية تجاوز المعضلة التي ليس فقط لا تتناقص بل تتزايد كل عام وتزيد من الضحايا، كما يشغل مصابو هذه الحوادث حوالي 30% من أسرة المستشفيات في المملكة التي هي في الأصل بحاجة إلى زيادة عددها. من هنا تأتي أهمية جائزة المنطقة الشرقية للسائق المثالي في نسختها الثالثة، حيث تتلخص رؤية الجائزة في (بناء جيل واعٍ يدرك أهمية الالتزام بقواعد المرور لتحقيق السلامة المرورية) تسعى لتحقيقها عبر مجموعة من الأهداف التي من أهمها (تحفيز وتشجيع مستخدمي المركبات للتقيد بالأنظمة المرورية وحمايتهم وتحفيز السائقين ورفع كفاءاتهم للحد من الحوادث المرورية وتوفير بيئة مرورية آمنة). وقد رصدت هذه المؤسسة جوائز بنصف مليون ريال عبر فئات متنوعة ما يعكس الأهمية التي توليها الجهات المختصة للسلامة المرورية. وتحاول هذه المؤسسة - التي يرعاها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية كرئيس لمجلس أمناء الجائزة - نشر الوعي بالسلامة المرورية وذلك عبر سلسلة من المحاضرات التي أقامتها وتقيمها في مختلف المنشآت، أقيمت إحداها مؤخرا في مبنى جريدة اليوم وحاضر فيها أمين عام لجنة السلامة المرورية بالشرقية الأستاذ سلطان الزهراني وحضرها رئيس التحرير الأستاذ عبدالوهاب الفايز الذي يعتبر أحد أعضاء مجلس أمناء الجائزة. إننا في المملكة التي تعتبر في المركز الأول في الحوادث المرورية على مستوى العالم بحاجة (بالإضافة إلى المحاضرات والندوات) إلى برنامج وطني للسلامة المرورية يشمل قوانين صارمة يتبعها تطبيق لهذه القوانين، مع تأهيل كافٍ لسائقي السيارات عبر برامج علمية مدروسة وليس مجرد تعليم لمعاني ومدلولات اللوحات المرورية. وكما يحصل في بعض الدول من استبدال عقوبة السجن بالأعمال الاجتماعية، فإننا قد نكون بحاجة إلى إدخال بعض فئات مخالفي قوانين المرور في دورات تأهيلية حول الالتزام بقوانين المرور قبل إعادة رخص قيادتهم إليهم. كما ينبغي عدم تأخير البدء في التطبيق الكامل للقانون الجديد للمرور لما لذلك من أهمية في الحفاظ على أرواح المواطنين.