الحوار لغة هادئة مقنعة إذا استُخدمت للرقي بالأفكار والوصول للحلول المثلى لكثير من المشكلات، لذا كان الحوار جزءا من مهارات الأنبياء في عرض دعوتهم بصورة لا تحمل معنى الاستعلاء أو التشفي من المقابل وإظهار الانتصار في كل موقف. إذن لم لا نتحاور؟ في «الأسرة» تفتقر كثير من البيوت إلى الحوار الجميل بين الزوجين وتخرج بعض التصرفات عن إطار المودة والرحمة إلى التشاحن وتغليب فرض الرأي وعدم التنازل عن بعض الحقوق لاستمرار سير مركب الزوجية بتوازن، فكم من موقف لم يراع فيه الزوجان أصول الحوار وكانت نهايته سنوات طويلة من الألم والشوق للآخر، ولكن الطلاق أو عزة النفس كانت حاجزا منيعا. والحوار مع الأبناء يبعث الراحة النفسية ويرسخ الدور التربوي في تغيير سلوكهم للأفضل، حين ينشأ الطفل في جو مفعم بالمحبة، تحكم علاقة أفرادها التفاهم والثقة عبر الحوار والتواصل، تتشكل شخصيته لمواجهة الحياة بسياج آمن ضد المزالق والمخاطر الأخلاقية. في «الأمن الفكري» التطرف لغة ضعيفة تعتمد على نزعات متراكمة من الجهل والمواقف السلبية والعزلة في أحيان كثيرة، لذا يعمد غالب من تلوثت أفكارهم بالابتعاد على مجتمعهم حتى لا تتأثر مواقفهم، ولكن كشف لنا التاريخ أن الحوار الحكيم من شخصية تعي أحكام الشريعة وتراعي الفروقات العمرية هي الأكثر تأثيرا في عودة الكثير منهم، لما رجع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه من صفين إلى الكوفة اعتزلته جماعة من أصحابه بعد حادثة التحكيم، فأرسل إليه ابن عباس رضي الله عنه لمناقشتهم بحوار هادئ قوي عميق واضح فرجع منهم ألفان. في تجربة سابقة لبرنامج حواري قبل سنتين بحضور أحد أعضاء هيئة كبار العلماء ومشاركة أكثر من 60 شابا في الدمام، طُرح موضوع علاقة العلماء بالشباب والآمال المرجوة للرقي بمجتمعنا علميا وفكريا، كانت الأسئلة تحمل نوعا من المكاشفة الخطيرة لما يحمله بعض الشباب من شبهات تناقلتها شبكات التواصل والمجالس المغلقة لمسائل عقدية دقيقة، ولكنها تلاشت إلى حدٍ كبير عبر الحوار الهادئ والشفافية بين الطرفين، ورحابة الصدر كانت هي سيدة الموقف. الإصلاح الحقيقي يبدأ من ذواتنا، ثم بالعبور مع الآخرين إلى فهم ما يريدون إيصاله إلينا، قد تختلف الأساليب وتتأزم المواقف، لكن الحوار الصحيح ولو بالاستعانة بمصلح اجتماعي يختصر المسافات. أستاذ جامعي