لقد خلق الله الخلق..وجعلهم طبقات..يظن البعض أن المقصود بها الطبقات الاجتماعية المرتبطة بالغنى والفقر..متناسين بأن الخلق طبقات في كل جانب من جوانب الحياة..فهناك طبقات في العلم..في التفكير..في الأخلاق..وفي العقل.. هذه الطبقية أو المراتب المتفاوتة هي الأساس في صنع ثقافة الحوار..هذه الثقافة التي كثيرا ما تغيب عنا..ثقافة الحوار التي لم يعد لها متسعا في أحاديثنا..ولم يبقَ لها مكان في آرائنا..فالكل متعصب..والكل متشبث برأيه..والكل يعض على فكرته بالنواجذ حتى وإن كانت بالية..فلا يقبل النقاش فيها ولا التحاور.. الحوار..هو الطريقة الصحيحة لإيصال الأفكار والتواصل بها..وهو وسيلتنا لإقناع الآخرين بصحة أفكارنا..فكم من شخص اقتنع بفكر مغاير لفكره وربما أقل صحة منه فقط لمجرد الأسلوب المتبع في إيصال الفكرة..وكم من شخص استمر على باطله واقتنع به بل وتقارع مع المختلف عنه بالحجج ودخلا في جدل \"قلتُ جدلا وليس حوارا\" لم يجنيا منه سوى بح الأصوات وإفساد الود الذي يحرص الحوار على أن لا يفسد له قضية.. لقد ورد ذكر الحوار في القرآن الكريم في عدة مواضع..ومعلوم بأن القرآن لا يذكر شيئا إلا وهو ذا أهمية..فقال تعالى:\" فقال له صاحبه وهو يحاوره\" \" وقال سبحانه \"والله يسمع تحاوركما\".. فالحوار ذا قيمة في حياة الإنسان العلمية والعملية والشخصية وهي الأهم..فكم من بيوت قوضها غياب الحوار عن أفرادها.. فلا وسيلة للتواصل بين الآباء والأبناء ولا العكس..العلاقة في منتهى الرسمية والجدية تقوم في أغلب الأحيان على الخوف وأحيانا على إتمام المصالح وكأنها علاقة بين أغراب لا أهل بيت واحد وأسرة واحدة..فتراهم حين يوضعون في موقف يستدعي الحوار سرعان ما يتحول إلى جدال..ينتهي بما لا يحمد عقباه.. يظن الكثيرون بأن الحوار مرادف لل\"سوالف\"..وهو كذلك من ناحية واحدة فقط..أنه أخذ وعطاء..ولكن في حقيقة الأمر فشتان بين الاثنين.. هناك ظن آخر بأن الحوار مرادف لل\"جدل\"..ولكن هنا أيضا البون شاسع..فالحوار يعني المجاوبة والتحاور بينما الجدل يعني اللدد والخصومة..ولكن للأسف بعض المحاورات تكون بداية للجدل لدى من يجهل لغة الحوار ولا يتقن آدابه..والتي يمكن تلخيصها في إتقان فن الإنصات وحسن الاستماع للطرف الآخر..ومتابعة حديثه منذ بدايته حتى ختامه ومن ثم التعقيب عليه..مع مراعاة عدم التشبث بالرأي والتمسك به واعتقاد صحته بل لابد من التقيد بأعظم قاعدة في عالم الحوار وهي قول الإمام الشافعي\"قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب\".. أيضا من آداب الحوار القول اللين الهين والبعد عن رفع الصوت وإدانة الآخرين بتهم أفكارهم..فالرقة وخفض الصوت مما يؤدي إلى خلق جو من الألفة بين المتحاورين حتى وإن تضاربت الآراء.. الحوار من أعذب وأجمل وأرقى الأساليب الكلامية..لمن يحمل فكرا أو رأيا مختلفا عما تحمله أنت.. لذا لنكن من أهل الرقي والسمو والجمال ونجعل الحوار طبيعة تكمل من لوحة جمال إنسانيتنا.. فاطمة العرجان كاتبة سعودية