كثرت في الآونة الأخيرة الصلاة على الكراسي في المساجد، وقد حدثت إشكالات ومسائل حول هذا الموضوع، مما جعل كثيرًا من الناس في حيرة وتساؤل بالجواز وعدمه، والكيفية، ومن باب تعميم الفائدة ونفع المسلمين، وأوضح عدد من المشائخ أن المشقة تجلب التيسير، ومن المعلوم أن رفع الحرج ودفع المشقة أصل قطعي من أصول الشريعة، ومقصد بارز من مقاصد الشريعة السمحة دلَّت عليه أدلة كثيرة. وقال مدير عام الدعوة بالداخل بوزارة الشؤون الإسلامية الدكتور عزام محمد الشويعر: إن طرح هذا الموضوع ضرورى للحاجة إليه في هذا الزمان الذي كثرت فيه الإصابات، ولتعلقه بفريضة الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، كان طرح مثل هذه المواضيع للنقاش والحوار يُفيد ويُثري المتابع. وبيَّن الشويعر أن مَن استطاع فِعل أركان الصلاة وجب عليه فِعلها على هيئتها الشرعية، ولا يستخدم الكرسي إلا إذا عجز، وأن الدليل على جواز أداء الصلاة على كرسي ثابت عن النبي عن عمران بن حصين «رضي الله عنه» قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ). رواه البخاري (1066)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ» انتهى من مجموع الفتاوى (8/437). والواجب على مَن صلَّى جالسًا على الأرض، أو على الكرسي، أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه، والسُّنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتَيه، لما ثبت عن النبي «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: (أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمَين ثم إن الحِكمة من الصلاة على الكرسي رفع الحرج ودفع المشقَّة على المصلي. وقال الشيخ ابن عثيمين «رحمه الله»: «الضابط للمشقَّة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة» الشرح الممتع (4/461). وقال د. الشويعر إن ما يخصّ موضع الكرسي في الصف لا يخلو من حالتَين: الحال الأولى: أن يجلس المصلي على الكرسي في صلاته كلها، ففي هذه الحالة كما قال ابن عثيمين «رحمه الله»: «يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين»، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة موضع الجلوس، بحيث تكون عجيزته محاذية وموازية لأرجل المصلين، سواءً تقدَّمت أرجل الكرسي أو تأخرت، فالعبرة في التقدّم وعدمه للقائم بالعَقِب، وهو مؤخرة القدم، وبالإلية للقاعدين، وبالجنب للمضطجعين. الحال الثانية: أن يجلس المصلي على الكرسي في ركوعه أو سجوده فقط دون القيام، ففي هذه الحالة يحاذي الصف عند قيامه. وتحدث الدكتور أحمد البوعلي إمام وخطيب جامع آل ثاني، وقال في هذا الجانب: أولًا: القيام والركوع والسجود من أركان الصلاة، فمَن استطاع فعلها وجب عليه فِعلها على هيئتها الشرعية، ومَن عجز عنها لمرضٍ أو كِبَر سنٍّ فله أن يجلس على الأرض أو على كرسي، قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/ 238، فإن كان الجالس على الكرسي قادرًا على القيام دون مشقة كثيرة لم تصح صلاته لفوات ركن منها، وينبغي عليه أن يحاول القيام ولو أثناء قراءة الفاتحة فقط، ومَن كان قادرًا على أن يصلي على الأرض فالأولى ألا يصلّي على الكرسي؛ لأنه قد يفوته عمل السجود وهو قادر عليه، فلا تصح صلاته، ومَن لا يستطيع الركوع كمصاب القدم أو القدمين ويجلس أرضًا أو على كرسي فلا يحوز له ترك السجود وهو قادر عليه، فكل ركن له أحواله الخاصة به، فقد يستطيع المريض القيام ولا يستطيع الركوع، وقد يستطيع الركوع ولا يستطيع السجود أو لا يستطيع الركوع، ويستطيع السجود فلا بد أن يؤدي ما يستطيعه من تلك الأركان وإلا لم تصح صلاته لفوات ركن منها، أما في صلاه النافلة فيجوز الجلوس فيها لعذر أو لغير عذر؛ لقوله «صلى الله عليه وسلم»: (مَن صلَّى قائمًا فهو أفضل ومَن صلّى قاعداً فله نصف أجر القائم ومَن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد)، فالمصلي ما استطاع فعله وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله سقط عنه. فمن كان عاجزًا عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود فيصلي قائمًا ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. ثانيًا: ومما ينبغي التنبه له: أنه إذا كان معذورًا في ترك القيام فلا يُبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده، وإذا كان معذورًا في ترك الركوع والسجود على هيئتهما فلا يُبيح له عذره هذا عدم القيام والجلوس على الكرسي، فالقاعدة في واجبات الصلاة: أن ما استطاع المصلي فعله، وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله سقط عنه. قال ابن قدامة المقدسي: ومَن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود: لم يسقط عنه القيام، ويصلي قائمًا فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود. وقال أستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية الدكتور إبراهيم صالح التنم: مَن حصل له عذر لا بأس له بالجلوس، وعليه أن يأتي بكل أركان وواجبات الصلاة على الوجه الصحيح وإذا كان هناك ركن معذور عذرك الشرع، وبيَّن ان مواضع الكرسي من الصف موضحًا أن الكرسي له قاعدتان أماميتان وخلفيتان، وأن العلماء فصَّلوا وبيَّنوا أن المصلّي له حالتان: الأولى ان يكون بداية صلاة قاعدًا وسوف يصلي صلاته وهو قاعد، والحالة الثانية أن يبتدئ صلاته وهو قائم، وإذا جاء الركن فيجلس، وإذا كان قيامه في الصف وهو قاعد تكون القائمتان الأخريان على طرف الصف، وتكون مقدِّمتاه في الأمام، أما إذا كان يستطيع القيام فالأصل أن تصف قدماه مع المصلين. الجانب الطبي وحول الجانب الطبي للمرضى أثناء الصلاة قال أخصائي العلاج الطبيعي بمستشفى مدينة العيون ياسر السعيد: إن ألم أسفل الظهر ومشاكل الركبة والحوض وبعض الكسور من أكثر الأمراض التي تعيق المريض عن أداء الواجب الديني (الصلاة)، حيث إن الألم الشديد والقصر في المدى الحركي لبعض المفاصل، والخطورة على صحة المريض، وتزداد الخطورة لو كان أداء الصلاة من ناحية الوقوف. لذا ننصح المريض بالجلوس على كرسي أثناء الصلاة والأخذ بالرخصة الشرعية، فهناك مرضى ننصحهم بالجلوس على الكرسي لفترة مؤقتة لحين تماثلهم للشفاء ورجوعهم إلى وضعهم الطبيعي مثل الكسور في الحوض، وعمليات الركبة. كما أن هناك مرضى ننصحهم بالجلوس على الكرسي لفترة دائمة، مثل عمليات تغيير مفصل الركبة والحوض، والسبب في ذلك محدودية المدى الحركي للمفصل.