اعتبر عدد من المشائخ ورجال الأعمال الوضع الاقتصادي الراهن فرصة لتعديل بعض السلوكيات والمظاهر السلبية، التي تعكس عدم احترام وتقدير النعمة من بعض أفراد المجتمع، وذكروا أن الكماليات والمبالغة فيها يدخل في باب المحرمات والكفر بالنعمة، معتبرين أن المواطن السعودي وبرغم الدورة الاقتصادية الحاصلة ما زال يعيش برغد، وتواجد الجمعيات الخيرية دليل على أمرين مهمين، أولهما أن المجتمع يحب الخير ويساعد إخوانه الفقراء، والأمر الثاني، أن وجود هذه الجمعيات دليل على وجود نوع من الإسراف عند البعض، جعل لهذه المؤسسات الخيرية أهمية كبيرة، وأكدوا أن لنا من قصص السابقين المذكورة في القرآن عبرة وفائدة، فأي أمة لا تشكر الله، لا يدوم الخير لها، والشكر يكون بالمحافظة عليها، وشكر الله سبحانه وتعالى عليها. وقال الشيخ الدكتور خالد السبتي ل«اليوم»: لا شك أن الغالبية العظمى من الناس عندهم خلل كبير في طريقة الاستهلاك، حيث أصبحت التحسينات والكماليات في حياتهم من الضروريات والحاجيات التي لا يمكن الاستغناء عنها، مضيفاً إنهم يبحثون عن إيجاد المبررات لطريقتهم الاستهلاكية وسبب ذلك يعود الى الوفرة المالية التي بين أيديهم. ومثال ذلك، تلك المقاطع التي انتشرت لمواطنين يكرمون ضيفهم بطريقة فيها إسراف ومبالغة بداعي الكرم وأداء الواجب، ولا يمكن أن يكون الكرم بهذه الطريقة أبداً أو حجم الانفاق الهائل للسعوديين في الترفيه والسفر، أو حفلات الزواج أو غير ذلك، وسبب هذا كله الوفرة المادية التي تم التعامل معها بطريقة استهلاكية خاطئة. وأضاف السبتي: لعل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ولها انعكاس على المواطنين تعيد للمواطنين النظر في ثقافتهم الصرفية، وتجعلهم يملكون القدرة على التفريق بين الحاجيات والضرورات وبين التحسينات والكماليات، ومما يعين أفراد المجتمع في إعادة النظر في منظومتهم الثقافية الاستهلاكية أن المجتمع كله يعيش نفس الظروف، ولذلك فالفرصة مواتية لإحداث التعديل السلوكي المجتمعي الاستهلاكي، مضيفاً الى ذلك ان التغير الاقتصادي يدعونا الى الاهتمام أكثر بمفهوم الادخار، مما يقنن أساليب الصرف والاستهلاك، ونحن بأمس الحاجة للنظر الإيجابي لهذا التغير حتى نتكيف معه نفسياً ونتواءم معه مسلكياً بتعديل عاداتنا وطرائق حياتنا. الشكر يزيد النعمة من جانبه، قال الشيخ الدكتور أحمد البوعلي: في كل وقت وحين وفي الشدة والرخاء يجب على الإنسان المحافظة على النعم لكي لا تزول، والشكر له فضل وخير، لأن الشكر يزيد في النعمة ويحافظ عليها كما قال تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»، مضيفاً: تعتبر النِّعَم من موارد الاختبار الإلهيّ الّتي يتعرّض لها الإنسان في حياته، والنِّعَم لها آداب في كيفيّة التعاطي معها، فكما أنّ الصبر من مستلزمات النجاح في الابتلاء بالمصائب، فكذلك الشكر هو من مستلزمات النجاح في تلقّي النِّعَم الإلهيّة، علينا أنْ نشعر بالنِّعَم الإلهيّة ونذكّر أنفسنا بها دائماً وعدم استخدامها بالمعاصي، فإذا أردت أن تختم آخرتك بخير، فعظِّم آلاء ربِّك، بالمحافظة على نعمائه، وليكن شكرها من جنسها فشكر نعمة الإيمان، بتوحيد الله وإخلاص العبادة له -سبحانه وتعالى-. شكر النعمة وأشار البوعلي إلى أن شكر نعمة الغنى والمال بالتصدّق والإنفاق في أوجه الخير، وشكر نعمة العلم ببذل العلم للناس وتعليمهم، وعدم كتمان شيء منه، وشكر نعمة الصحّة بالقيام بالّطاعات الجسديّة من جهاد، وحج، وخدمة للآخرين، والامساك عن المعاصي التي تؤدّي إلى تلف الجسد وضَعفه، وشكر نعمة الأمن والأمان أن تعرف لمن فقدوا هذه النّعمة حقّهم عليك، وشكر نعمة الصديق الصّالح بالوفاء له، وعدم الغدر به أو غشّه، والذّود عن عِرضه وحقوقه في غيبته كما في حضرته، وشكر كلّ عضوٍ من أعضاء الجسد يكون من نوع وظيفته وعمله، فنعمة البصر تُشكر بغضّ البصر عن الحرام، وبحراسة الثغور، والحرمات وقراءة القرآن، والنّافع من العلم، ونعمة السّمع تُشكر بالسّماع للنّافع من القول والإمساك عن سماع المحرّمات ونعمة النّطق واللسان تُشكر بذكر الله -عزّ وجلّ- والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجتناب الغيبة والنّميمة والفحش من القول، وهكذا كلّ نعمة تُشكَر من جنسها، فيديمها الله عليك، ويزيدك من فضله. سوء استخدام النعمة وأوضح الدكتور البوعلي ان عدم الحفاظ على النعم والكفر بها من خلال سوء استخدامها سبب من أسباب الندم، قال تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ». فبدلاً من أنهم كانوا في نعمة وأمن، ولم يقدروا لتلك النعمة قدرها، أوعزهم الشيطان ودفع بهم إلى تنغيصها، فإن الله عاقبهم بما في هذه الآية، بدل ما هم فيه من النعم خلف الرغد الجوع، وخلف الأمن الخوف، والإسراف في مجتمعنا أصبح عند البعض ظاهرة، بل هو أكثر من ظاهرة، حيث أصبح عادة وسجية ينشأ عليها الصغير ولا يستغربها الكبير، ويمارسها الرجل والمرأة على حَدّ سواء وكأنها الأمر الطبيعي الذي يشبه تنفس الهواء، منوهاً بأن وزارة الزراعة السعودية كشفت عن ارتفاع الهدر الغذائي في المناطق الحضرية ب34%، وهناك زيادة عدد السكان المتوقعة في السعودية خلال عام 2020 ستؤدي إلى زيادة كمية النفايات المتولدة إلى 17.5 مليون طن بدلاً من 14 مليون طن في 2016، محدّدةً كلفة جمع مخلفات الأطعمة ونقلها والتخلص منها بنحو 630 مليون ريال سنويا، في حين أوضحت جمعية إطعام الخيرية أن ثلث الطعام الذي يُطبخ يذهب هدراً في النفايات، ونقل بيان عن وزارة الزراعة السعودية وجود كميات كبيرة من المواد الغذائية لا تتمّ الاستفادة منها، وأضافت إن حجم الفاقد من الهدر الغذائي بلغ 250 كجم للفرد الواحد سنوياً، بالإضافة إلى إنفاق نحو 630 مليون ريال سنوياً تكلفة نقل مخلفات الأطعمة والتخلص منها، و2.6 مليار ريال لتنظيف المدن ما يزيد على 3 مليارات ريال سنوياً التعامل مع الدورة الاقتصادية من جانبه، قال رجل الأعمال المهندس حامد بن حمري: المحافظة على النعمة بكل الأحوال مطلب أساسي سواءً أكان المواطن غنياً أو كان فقيراً، خصوصاً مع تغيرات الوضع الاقتصادي، مضيفاً إننا في دورة اقتصادية تمر بنا، مما أثر على دخل المواطن السعودي، ومع ذلك لا يزال المواطن السعودي يعيش برغد من العيش، ويملك الأمن والأمان وهي نعم يفقدها الكثير، مشيراً الى أن جميع المظاهر الاجتماعية التي كانت موجودة من إكرام للضيوف وغيرها، ستظل موجودة، ولكن المبالغة في الإسراف هي التي يجب أن تقف. كميات كبيرة من الأرز ملقاة على الأرض بعد إحدى المناسبات الكرم من صفات العرب وأضاف ابن حمري: إن كثرة المؤسسات الخيرية دليل على الاهتمام الكبير بالنعمة، ويجب علينا أن نوجه الطعام والمأكولات الزائدة لهذه الجمعيات لكي يتم التعامل معها بشكل صحي وسليم، منوهاً الى أن الكرم من صفات العرب، وهذا يجعل بعض المظاهر تستمر، مؤكداً أن إكرام الضيف مظهر إيجابي ومتوارث عند العرب، وفي بعض الأحيان يتم التعامل مع مثل هذه المواقف بشكل سلبي، من خلال تصويرها وبتر بعض المقاطع، مما يتسبب في نقل صورة خاطئة للموقف، موضحاً أن الاستعراض في الغناء الفاحش سواء في الملبس أو المشرب أو الملبس أو الكماليات الأخرى، يعتبر من الأمور السلبية التي يجب الابتعاد عنها. ولا يظلم ربك أحداً فيما قال الشيخ أحمد الجراح: إن الله تعالى وتقدس أنعم علينا بنعم كثيرة ظاهرة وبَاطِنَة، لا يمكن إحصاؤها كما قال تعالى: «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لَظَلُوم كفار». وبيّن لنا جل جلاله أن الشكر طريق الزيادة، كما قال تعالى: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد». كما أن كفر النعم سبب إلى زوالها قال سبحانه: «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون». فهذه الآيات العظيمة، وغيرها واضحة الدلالة في وجوب شكر النعم والحفاظ عليها من الزوال، وقد قَص الله تعالى علينا قصة قوم سبأ وما كانوا فيه من الجنات والبساتين والنعم فكفروا فغيّر الله حالهم ومزقهم بسبب كفرهم وعدم شكرهم، كما قال تعالى: «لقد كان لِسَبَأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور....» الآيات، مضيفا: بلا شك أننا بحمدالله ومنته نعيش في عيش رغيد ونعم سابعة تحتاج منا جميعاً إلى شكرها والسعي إلى الحفاظ عليها، وذلك بتكريم النعمة والبعد عن الإسراف والتبذير، ومما يؤسف له ما يُرى من بعض مظاهر الإسراف والخيلاء في بعض المناسبات والولائم والتي لا يؤكل عشر معشارها ثم يُرمى الباقي وهو كافٍ لسد جوع أسر كاملة، ومع أننا نرى ونشاهد من حولنا ممن كانوا في عيش رغيد ونعم متوافرة ثم بدل الله حالهم ولا يظلم ربك أحداً، مما ينبغي أن يحدث عندنا مراجعة لأنفسنا خوفاً من تعريض هذه النعم للزوال. وأردف الشيخ الجراح: يجب علينا جميعاً كل من خلال موقعه ومنبره ومسؤوليته أن نربي أنفسنا ومن تحت يدنا على حفظ النعمة والبعد عن الإسراف فيها، فإن النعم زوالة، إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت، ورسالتي للمجتمع: أنه ليس بيننا وبين الله عهد ونحن كغيرنا من عباد الله، فإذا نحن لم نشكر النعم ونستعملها في طاعة مولانا فما نحن ممن ابتلاهم الله ببعيد، أسأل الله تعالى أن يوزعنا شكر نعمه وأن يجعلنا مثنين بها عليه قابليها وأن يتمها علينا وأن يحفظ علينا أمننا وولاة أمرنا إنه سميع قريب.