نسمع كثيرا عن الزواج الناجح، وقلما نسمع عن «الطلاق الناجح»، لكن المؤلف عبدالقادر بن أحمد فلاتة يؤكد هذا المعنى في كتابه «حياتي بين زوجتين: الأمريكية والسعودية»، والكتاب يروي قصة حياته، التي بدأت في مكةالمكرمة، ثم في المنطقة الشرقية التي سافر منها شابا إلى الولاياتالمتحدة بحثا عن فرص التعليم والنجاح هناك، حيث تزوج من أمريكية وعاد بها مع ابن وابنتين، وبعد سنوات من الإقامة في المنطقة الشرقية، قررت الزوجة العودة إلى أمريكا، وبالتفاهم والود افترق الزوجان، لتعود الزوجة مع الابن إلى أمريكا، وتبقى الابنتان مع ابيهما في المنطقة الشرقية، وإن كانت الحياة الزوجية قد انقطعت بين الزوجين، فإن الحياة الأسرية بينهما لم تنقطع، حيث استمر التواصل والتزاور بينهما، دون خلافات أو مشاحنات أو عداوات، وفي هذا الجو الذي تسوده العلاقات الناجحة يتربى الأطفال في بيئة صحية أسريا ونفسيا واجتماعيا، حتى بعد أن تزوج الأب من زوجة سعودية، استطاع بحكمته ومرونة تصرفاته أن يجعل منها أما ثانية لأولاده، مع حفاظه على الود مع زوجته الأولى وأهلها. هذا هو ملخص الكتاب الذي يصعب تصنيفه بين الرواية والمذكرات والوصايا التربوية، لكن قيمة الكتاب الحقيقية تتركز في تعامله الحضاري مع أم ابنتيه، وقد عاشتا في كنفه دون انقطاع عن أمهما، وهو ف ي ذلك لا يخفي هذا الهدف عندما يقول في آخر الكتاب ص 245 (أنا من المصدقين والمؤمنين بأنه كما يوجد زواج ناجح، كذلك يوجد طلاق ناجح بدون مشاكل، وقد تعلمت وتعايشت مع كلمة الانفصال أو الطلاق كما أنها فرحة زواج، لأنه عندما ترى أنه لا مجال لإكمال الحياة مع شخص أحببته وبدأت حياتك معه، لأي سبب بعد كل المحاولات.. حاول أن تنهي حياتك معه باتفاق وتراضٍ، وإذا كنت إنسانا ذكيا، وبسبب وجود أطفال بينكما، فيجب أن تحول علاقة الحب إلى علاقة صداقة حميمة، وهي تتطلب تصفية النية، والنظر للمصلحة العامة، والبعد عن الكبرياء، والاقتناع بالحقيقة والواقع. ما زلت حتى يومنا هذا أرتبط بعلاقة حميمة جدا مع ستيفني - اسم زوجته الأولى - فما زلنا على تواصل للنقاش في أمور الأولاد). من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب وهو تأصيل قيمة إنسانية عظيمة سماها المؤلف «الطلاق الناجح» وهذه القيمة نص عليها الدين الحنيف في قوله تعالى: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وهذا النهج الحضاري يكاد يختفي من مجتمعنا، رغم ادعائنا التمسك بتعاليم الإسلام، وهو ادعاء يتنافى مع الواقع في حالات كثيرة، وخاصة في حالات الطلاق حيث تتلبس الرجل حالات من الكبرياء الكاذبة والانفعال الأهوج تجاه المرأة، مع أن عهد الرجل الأسد والمرأة الأرنب أصبح من مخلفات الماضي، لكن الجهل والتخلف لا يزال يتحكم في عقول بعض الرجال غير عابئ بتأثير ذلك على الأطفال وهم الضحية الحقيقية لحالات الطلاق عندما ينعدم التفاهم بين الأب والأم؛ نتيجة تعنت الرجل وعدم امتثاله لما أمر الله به: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان». وأسوأ دوافع هذا السلوك غير السوي هو تدخل أم الزوج أو أخواته، وموقفهن السلبي الذي لا يراعي مصلحة الأطفال بقدر ما يشبع لديهن شهوة الانتقام من الزوجة، ويرضي لديهن نزعة التملك في الاستحواذ على الأطفال دون وجه حق، وما أكثر مآسي الطلاق التي يكون ضحيتها الأطفال دون غيرهم، عندما تغيب عن الرجل مفاهيم التربية السليمة، وتنعدم عنده الرغبة في الحفاظ على الاستقرار النفسي للأطفال، وما يحدث غالبا هو استبداد الرجل في هذا الموقف ظنا منه أنه الضلع الأقوى في مثلث يفترض أن يكون متساوي الأضلاع من حيث الأهمية - الزوج والزوجة والأطفال - وهذا أمر يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف. هذا الكتاب «حياتي بين زوجتين: أمريكية وسعودية» لمؤلفه عبدالقادر بن أحمد فلاتة، يشكل نموذجا حضاريا لما يجب أن تكون عليه العلاقات الأسرية بعد الطلاق، كما يؤكد على أن الحكمة هي ضالة المؤمن، وعليه أن يلجأ إليها إن أراد حياة مستقرة نفسيا وأسريا، له ولأطفاله، ونحن هنا نتحدث عن الرجل المؤمن الذي يخاف الله في السر والعلن، أما من لا يخاف الله، فأمره بيد خالقه، والله كفيل بمن ظلم وتجبر وطغى.