أنت حين تقف امام المرآة يتجه اهتمامك كله الى نفسك، وتسرع عيناك الى تلمس ملامح وجهك واحدا واحدا، ثم الى وضع عقالك متسائلا: هل اميله قليلا الى اليمين، أم الى الشمال، أم اجعله مستقيما؟ وهل اجعله وطنيا كامل الخصوصية أم اجعل «عراويه» منسابة على الظهر كما تفعل بعض المجتمعات في مجلس التعاون الخليجي المجيد؟ هكذا تبقى في دوامة تفقد ملابسك راضيا مرضيا مبتسما، وقد يعتريك بعض الضباب لشعورك بأن شيئا ما غير كامل الاوصاف، وقد تكون من الكثرة الغالبة الذين لا يعرفون ان لهم عالما داخليا يجب تفقده، فالمرآة عندهم خرساء لا تنطق الا بمباهجهم الخارجية التي يمكن ان نسميها «مواهب الخارج». هذا كله او بعضه قد يحدث لك، ولكنك بكل يقين الدنيا لا تفكر في المرآة، فأنت مثل «نارسيس» لا تفكر الا في نفسك مرحبا بأمر محمود درويش: «وكن نرجسيا اذا لزم الامر» ولم يكن درويش شاطحا، فنحن جميعا نرجسيون بصورة نسبية، فهل فينا مَنْ لا يحب نفسه؟ وهذا الحب هو الخطوة الكبرى الى النرجسية. هل تظن «حضرتك» أن المرآة مجرد أداة عاكسة مثل قمر الطبيعة، الذي لا يشبه قمر فيروز في أية صفة من الصفات الزاهرة، فهو «مجرد سارق» كما يعبر بعض من عثرت بهم البلاغة.. غير ان ظنك هذا ليس بعيدا عن الوهم، فبعض المرايا، اذا اغضبتها، تعرف كيف تضحك عليك في سرها، بل ان بعضها ينتقم منك انتقام الماء من السيد نارسيس. لا ادري: لماذا تحملني المخيلة احيانا الى افق الهرطقة، فأتصور ان المجتمعات مثل المرايا، بعضها مجرد عاكس آلي، لا يحس بما يجري فوقه، ولا يستقر عليه أي اثر للاحداث، بل صار «اذا اصابته سهام تكسرت النصال على النصال»، لذلك تهال عليه صفات الازدراء مثل: مجتمع متخلف، وقد يسرف بعضهم فيطلق عليه وصف القطيع. اما بعض المجتمعات الاخرى فذو شعور مرهف يمتاز بقدرة صارمة على الرفض مصوبا عينيه الى المستقبل وبناء كرامة الانسان، لذا تطلق عليه كل الصفات مثل: مجتمع حي، مجتمع ابي، وما يرادفهما من الصفات البيضاء.