كان يا ما كان في هذا الزمان وذاك المكان. صديقة لي اشهد لها بتفانيها في التدريس برغم السؤال الذي قد تطرحونه علي «من يشهد للعروس؟» لا تراها الا متنقلة من فصل الى فصل او خلف طابور من الطالبات لتقييمهن. وقد تحاول ان تحادثها وهي تصور اوراق العمل لطالباتها باستخدام آلة تصوير المدرسة، واوراقها التي اشترتها بمالها لعدم تغطية الميزانية للمعلمات المبذرات في اوراق عمل واختبارات شهرية واختبارات تقييم اداء. وما بين مشاركتها في النشاط المدرسي والريادة والاشراف الصباحي قبل حضور الطالبات والإشراف بعد نهاية الدوام، حتى تذهب آخر طالبة لبيتها نجدها تبحث عن بعض الدقائق لترتمي على كرسيها لتلتقط انفاسها، تفاجئها احدى الموظفات لتذكيرها بالإذاعة التي يجب ان تعدها للغد التي تهتم بسماعها كل صباح قائدة المدرسة، رغم ان مكبرات الصوت لا تقوم بواجبها بنشر صوت الطالبة التي تلقي فقرة «هل تعلم» ربما لانخفاض جودتها او لاستهلاكها لسنوات عدة دون ان تلوح في الافق أي فرصة تحيلها للتقاعد وتمد شعلة العمل بسماعات حديثة صغيرة العمر. نعود لصديقتي التي قُسمت في المدرسة تقسيما يصعب حتى على عالم المواريث أن يقسم تلك القِسم. بعد أن علمنا عن بعض ما تفعله في مادتها التي تستوجب منها تقييم 7 مهارات لكل طالبة يزيد عددهن في المرحلة الواحدة عن المائة. ومن فرط دقتها وحرصها على ان تتواصل مع أولياء الامور فهي ترسل تنبيها لهم عند اخفاق ابنتهم استجداء لتعاونهم في اداء دورهم في اكتساب ابنتهم للمهارة أما في الناحية الاخرى من الحي، فقد عقد اجتماع لوليات الامر على رأسهن من جمعتهن لتدبير فخ للمعلمة لدفعها فيه، لان صديقتي المعلمة لم تخدعهن وتريح ضمائرهن كلمة «أتقنت» او بالطريقة الجديدة «متفوقة». لتشعر كل واحدة بانها ناجحة تفخر بابنتها رغم ان كلمة «متفوقة لا تعكس مستوى ابنتها. تُستدعى المعلمة من طابقها الثالث بسرعة لتقابل العُصبة الغاضبة في مكتب المديرة، قيل لها على عجل، أسرعي لمكتب المديرة، هناك امهات غاضبات، وتصدم المعلمة لحظة دخولها بوجود المشرفة على المادة معهن وهي تزم شفاهها كما زممن شفاههن، تمد يدها تصافحها وعلى لسانها «حتى انت يا بروتس»؟. تبدو أعلى الغاضبات صوتا بالحديث وتشاركهن الاخريات، تصمت واحدة لتتحدث بدلا عنها اثنتان، وبعد صبر وهدر وقت وكثير من رفع الضغط تقتنع المشرفة بان المعلمة أدت عملها كما يجب. وتخرج الغاضبات عاقدات النية على عقد اجتماعات جديدة في لياليهن ونصب المكائد والفخاخ والأخذ بالثأر الشخصي، ليحيد الجميع عن مسار الاهداف الحقيقية للتعليم بين معلمة لاهثة خلف نصب دروع حماية حول ذاتها، وأولياء أمور يؤمنون بأن خير طريقة للدفاع عن حقوق ابنائهم الهجوم.