من أهم العلاقات في حياتنا الوظيفية العلاقة بيننا وبين رؤسائنا في العمل، وعندما تكون هذه العلاقة على ما يرام نحقق كسبا حقيقيا لمصلحة العمل وللطرفين على حد سواء. إن العلاقة الإيجابية بين الرئيس والمرؤوسين في الميزان هي تلك التي تقوم على الود والاحترام المتبادل والثقة والتواصل الفعال والإتقان للمهام وتحمل المسؤولية. والإسلام له إرشاداته في تفعيل هذه الأسس كما يلي: * الود: إن غرس المودة في العلاقة الإدارية يتم من خلال كلمة طيبة وبشاشة ورغبة صادقة في تحقيق أهداف المؤسسة بتعاون الجميع مع الإنصاف في التعامل.في حين أن الفظاظة والعبوس والتقاعس والظلم تنشر روحا عدائية ظاهرة أو مكبوتة، لذلك دعا الإسلام إلى التحاب والتواد بإخلاص، وفي الحديث «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُم ْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ» رواه مسلم (1855)، والصلاة هنا بمعنى الدعاء أي تدعون لهم ويدعون لكم. * الاحترام المتبادل: إن تولي مسؤولية إدارية ليس مبررا لبعضهم ليتعالى أو يحتقر مرؤوسيه، أو يسخر منهم بل إن الحفاظ على كرامة الفرد واجب مهني وشرعي، كذلك ينبغي للمرؤوسين التعامل باحترام مع رئيسهم، والامتثال لتعليمات العمل، وقد ورد النهي صريحا عن كل ما يمس الاحترام بين الناس كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ» سورة الحجرات: (11) والحديث النبوي ينظم هذه العلاقة في قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا». رواه أبو داود (4/286). كثير من الاحترام يتهاوى عند الغضب، لذلك لا بد من التحكم في الغضب فإنه قد يدفع الشخص إلى التفوه بكلمات قد يعجز عن إزاله آثارها في محيط العمل و»ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب» كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان. * التواصل الفعال: إن فتح قنوات الاتصال مهم لتبادل الأفكار والمعلومات والمشاعر، و الوضوح أمر ضروري في صحة العلاقات، وسلامة سير العمل، والتشاور أسلوب فعال للاستفادة من أفكار طاقم المؤسسة، قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ» سورة آل عمران: (159) ومبدأ الشورى في الإدارة هو نتاج فريق العمل الجماعي «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» سورة الشورى: (38)، وهذا ضمن إطار العمل المؤسسي الذي يساهم الجميع في بنائه كل حسب موقعه وصلاحياته مما يُشعر جميع العاملين بانتمائهم للمؤسسة ومشاركتهم في قرارتها. وهنا لابد من التأكيد على الصدق والصراحة وحرية الرأي ؛ لكي لا تكون المشاركة شكلية لا قيمة لها حينما يدرك المرؤوسون أن المدير يريد فقط سماع رجع صدى أفكاره ووجهات نظره واقتراحاته هو. * إتقان العمل: هذا أفضل طريق ليس فقط لكسب ثقة رئيسك ومساعدة المنشأة على تحقيق أهدافها وتحسن وضعك الوظيفي، بل لتنال محبة الله و هو أسمى من هذا كله ؛ ونذكر قوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» أخرجه الطبراني، و صححه الألباني. والوصول إلى هذه الدرجة يتطلب مهارات مكثفة، وبوسعك أن تستفيد من ملاحظات رئيسك حول أدائك. واطلب من أهل الخبرة من زملائك مساعدتك، واسع إلى الانضمام إلى الدورات التدريبية لتحسين مهاراتك. * تحمل المسؤولية: والمسؤولية تعتبر التزاما أخلاقيا من قبل الشخص للقيام بالأعمال المعهودة إليه، والمرؤوس عندما يقبل المسؤولية والسلطة اللازمتين لإنجاز عمل ما، فإن ذلك يحمله التزاماً بإنجاز ذلك العمل مع الاستخدام السليم للسلطة المفوضة له. وكلٌ يحمل نصيبه من المسؤولية، بدءاً من رأس العمل: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان فلا يصح أن يتهرب الشخص– رئيسا كان أو مرؤوسا- من مسؤوليته أو يحملها لغيره عند وقوع خطأ أو تقصير. واقع العلاقة الإدارية تواجه تحديات صعبة تتطلب أن يسعى طرفاها إلى الوصول بها إلى أفضل وضع ممكن في هدي هذه الإرشادات، ولنتعلم من تجارب الآخرين؛ فليس لدينا الوقت لارتكابه مثالبها مرة أخرى.