الاحترام قيمة إنسانية وحضارية عني بها الإسلام وجعلها تمتد لتشمل ما يحيط بنا من العلاقات التي تربطنا بغيرنا، في المجتمع والبيئة. ومن معايير قياس مستوى التحضر والتخلف لدى الشعوب، مستوى "الاحترام" كاحترام الوقت، احترام المكان، واحترام الإنسان. لقد جعل الإسلام ثقافة الاحترام جزءا أساسيا من منهج الحياة اليومية يقوم على مبدأ الكرامة الإنسانية: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء ونحن بحاجة كبيرة لتعزيز الاحترام المتبادل فيما بيننا لبناء علاقات سوية وصحية، ولتخفيف حدة التوتر والنزاع والاستخفاف التي تمس الوالدين والصغار والكبار والمرأة. وأول بيئة يتعلم فيها الإنسان الاحترام هي الأسرة فالاحترام بين أبناء الأسرة الواحدة يزرع الاحترام بين الأبناء والآخرين، وأولى الناس بذلك هما الوالدان كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }.. وأقوى أسلوب لتعليم الاحترام يكون بالقدوة، فالأب الذي يحترم زوجته فلا يعلو صراخه أو تجريحه لها يرسخ صفة الاحترام عمليا في أولاده. كما أن استئذان الطفل فيما يخص حقوقه وممتلكاته، يكسبه الثقة والاحترام، يروي سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء"؟، فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال: فتلَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده. رواه البخاري ومسلم. والاحترام في البيئة المدرسية بين المعلم وطلابه شرط ضروري لسلامة العلاقة ونجاح رسالة التعلم، وهذا ما أكده النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه). إن الاحترام يجب أن يكون صفة متبادلة بين البشر جميعا، فهو علاقة ذات اتجاهين، فكل من كل علاقة بين اثنين يجب أن تقوم على احترام كل منهما الآخر. كما في حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وغياب الاحترام في علاقة الزواج يؤدي إلى استهانة أحد الطرفين بالآخر، وغياب الاحترام بين الأصدقاء يؤدي إلى تقطع أواصر المحبة والصداقة، وغياب الاحترام بين الجيران يؤدي إلى خصومات متتابعة، وغياب الاحترام بين الرئيس ومرؤوسيه يؤدي إلى استبداد السلطة أو ضعفها، وغياب الاحترام بين الدول يؤدي إلى فرض الهيمنة وانتهاك الحقوق. لهذا نهانا القرآن الكريم عن السخرية بالآخرين رجالا أو نساء كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات ونحن نعيش أجواء الأشهر الحرم وموسم الحج تتجلى عناية الإسلام بقيمة الاحترام، كما في قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدَالَ فِي الحَجّ)ِ [البقرة: 197]. ويهيئ الإسلام الحجيج للحفاظ على خلق الاحترام، من خلال النهي عن التصرفات القولية والفعلية والفكرية التي تنهتك الحرمات. 1-(لا رفث) إن اللغة وآداب الاتصال جوانب أساسية يجب أن يولي الناس اهتماما بها. وعند التحدث مع الآخرين بمضمون قبيح أو وقح أو فاحش يسقط الكثير من قيمة الاحترام. 2-(لا فسوق) المطلوب هو حسن السلوك مع الناس من خلال أصول التعامل الاجتماعي، أما الخروج على الآداب والحدود فهو فسوق يسقط فضيلة الاحترام. 3-(لا جدال) الجدل ضرب من الصراع الفكري الذي يهدف إلى الانتصار على الخصم أكثر من الرغبة في إظهار الحقيقة، قال ابن عباس: {ولا جدال في الحج} المراء والملاحاة حتى تُغْضب أخاك وصاحبك. وهذا النوع ينتهي إلى ازدراء ما للآخر من رأي او فكرة لذلك نهى الإسلام عنه إلا أن يكون (بالتي هي أحسن). فهذه التجاوزات (الرفث- الفسوق – الجدال) تفسد العلاقات وتضعف الاحترام. والمسلمون أحوج ما يكونون إلى تلافيها في زحام المناسك واختلاف المشارب والمذاهب في المشاعر المقدسة. * أستاذ مشارك بجامعة الدمام