التاريخ شاهد بأن الدول القائمة في عالمنا الاسلامي اليوم تأسست بمنة خروج المستعمر بعد سقوط الخلافة العثمانية، ومعظمها يعد محمية له، والمستعمر لا يزال يعتبر الاسلام عدو دولته. لقد حاول الاسلام السياسي بعد سقوط الخلافة العثمانية استعادة مجد الخلافة بالمشاركة السياسية في الدولة، فقبلت الأحزاب الاسلامية بالدولة الحديثة واعترفت بحدودها وشاركت في الحياة السياسية والديمقراطية الغربية كما وقع في تجربة تركيا ومحاولات الاخوان المسلمين في مصر وتونس ومع ذلك لم تحظ بقبول غربي كامل لها. كما نشأ مؤخرا للإسلام دولة بنسخة إرهابية تتمثل في داعش، فالتطرف في داعش لم يعد إرهابا يفجر ويهرب كما كانت القاعدة، ولم يعد كتنظيم الاخوان المسلمين يشارك في الانتخابات للتسلل إلى الحكم والمجتمع، بل أصبح دولة متطرفة علانية قائمة بالقهر والعنف والقتل والتفجير. وإعلان داعش الخلافة يعني أن كل دولة غيرها في العالم الاسلامي تعتبر خارجة على شرعية الخلافة في داعش كما يرون. فهذه الدولة الداعشية الإرهابية الصغيرة، في طور تشكلها اليوم، تصطدم في جوهرها مع الدول القائمة كلها، كما تصطدم مع الدولة الخمينية الشيعية المجاورة، التي قامت قبل ثلاثة عقود على فكرة مشابهة تماما لفكرة داعش. فالخميني استطاع في ايران أن يمنح السيادة لولاية الفقيه كدولة اسلامية في ظاهرها وهي صفوية متطرفة في الحقيقة تحمل الحقد على العرب والسنة، وترفع شعار تصدير الثورة، وتطالب المسلمين بالثورة على حكامها وتسعى بالتبشير بذلك كيفما كان. ولذلك فضل المستعمر مؤخرا رفع العقوبات عن ايران ومشروعها بالمنطقة لفتح الطريق لحرب كبرى بين الشيعة والسنة، ومستقبلا بين خلافة داعش وولاية الفقيه الصفوي لتفتيت المنطقة تماما. وبدأ الغرب خطوات فعلية لتقوية إيران، فأرسلت جماعة الضغط الرئيسة لقطاع الأعمال في فرنسا وفدا يضم أكثر من 100 شركة لإيران ومن بينها شركة النفط العملاقة توتال وشركة ايرباص وشركة بيجو لتصنيع السيارات، كما قام وزير الخارجية الإيطالي ووزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية بزيارة طهران لبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية معها، وأعاد وزير الخارجية البريطاني هاموند فتح السفارة البريطانية بطهران، وذللت أمريكا العقبات لإيران بعد الاتفاق الأخير. واستعدت شركة شل بسداد ديون بقيمة ملياري دولار لشركة النفط الإيرانية الوطنية عند رفع العقوبات على إيران، وهي تدرس الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني، ومن نتائج هذا الانفتاح على طهران إعلان وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده لن تطالب برحيل الرئيس السوري كشرط مسبق لمحادثات السلام، لقد أنهت إيران عزلتها السياسية والاقتصادية بمكاسب ضخمة تدعم مشروعها. إن الأمل الوحيد المتبقي للمسلمين اليوم هو المملكة العربية السعودية فهي الدولة الوحيدة التي تشكلت بالإسلام عبر جهاد صادق كبير وباهر وشجاع، وهي منذ قرن تتأرجح بين القبول بقدرها التاريخي كقيادة شرعية للإسلام الحق في العالم أو الانكفاء على نفسها ولن تسلم، فهاتان الفكرتان تتأرجحان بزعمائهما، ولقد أظهر الملك سلمان بن عبدالعزيز في عاصفة الحزم قدرة فذة نادرة لزعامة العالم الإسلامي في ظروف مصيرية صعبة، فقرر مع الدول العربية المتحالفة والوطنيين اليمنيين استعادة اليمن من خيانة الحوثي الصفوي، وقدموا الدماء الزكية والثروات في سبيل إعادة التضامن الإسلامي والعربي. لقد كان ضروريا التصدي لأطماع الصفويين المدمرة والتي أصبحت معلنة، كما كان ضروريا التصدي للإرهابيين الطامعين بالزعامة. إن خيرة علماء الاسلام اليوم وخبراء السياسة يعتبرون المملكة أنموذج الاعتدال في الدين الحق وهي مع دول الخليج العربي أنموذج الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العالم، وهذا الأنموذج اليوم هو أمل المنطقة الوحيد من التمزق والتفكك بأعمال إرهابية أو حرب طائفية بين المتطرفين الشيعة والسنة. هذا هو قدر المملكة وقادتها وشعبها، فهم الأمان الحقيقي للإسلام والمسلمين وعليهم بالصبر مع التخلص من كل خلل في النية والعمل مستعينين بالله في حفظ الاسلام والمسلمين والله ناصر من نصره وهو على كل شيء قدير.