نشرت مجلة politico تقريرا حول الكونجرس الامريكي، اشارت فيه الى أن غالبية اعضاء الكونجرس لديهم او يعملون مع مكاتب للعلاقات العامة، وأضاف التقرير: إن مكاتب العلاقات العامة تتلقى دعما وتمويلا من جهات أجنبية، حيث حمل عنوان التقرير ما يشير لذلك بوضوح «تريد ان تصبح عميلا للاجنبي، عليك ان تصبح عضوا في الكونجرس لاول مرة» والتقرير طويل جدا، لكنه يكشف كيف تؤثر عمليات الدعم الخارجي على قرارات الكونجرس وكذلك استقلاليته، اللافت أن التقرير ركز اهتمامه على السعودية، وكيف تتحرك، وكيف كانت النتيجة، ان الكونجرس صوت ضد رغبة الرئيس باراك اوباما. التقرير أراد أن يؤكد عدة حقائق، وهي أن السعودية كان لها ادوات تأثير كثيرة على الكونجرس، وايضا لديها مع الامريكان مصالح مشتركة، الا ان النتيجة جاءت مخيبة للآمال، وان هذا يعتبر اخفاقا في الدبلوماسية العامة السعودية، ولكن التقرير اراد ايضا الاشارة الى عدم نزاهة واستقلالية اعضاء الكونجرس فهم من وجهة نظره مرتشون، غير أمناء على دورهم التشريعي، وأيضا تغافل التقرير بفجاجة واضحة عن اللوبي الإيراني، عند ذكر لوبيات أخرى لها تأثيرها في الكونجرس. تركيز التقرير على السعودية دون إيران، فيه جانب من انعدام المهنية، فالمملكة موجودة في الملف اليمني والسوري، بينما إيران موجودة على ارض الواقع بميليشيات تقتل وتذبح وتنهب وتفجر، وتحاصر المدن والقرى، ترفع شعارات طائفية، وتعمل على ادامة أمد الحرب، ومع ذلك يغض التقرير الطرف عن تعاون ايران مع تنظيم القاعدة، وايواء العديد من رمزياته، ودعم ايران للحوثيين واستهدافهم البوارج الامريكية، ودور حزب الله في تفجير مقرات المارينز، وكذلك تفجير السفارات، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل السعودية هي الوحيدة التي تتعامل وشركات العلاقات العامة، ام ان التقرير ذاته يعكس وجهة النظر الايرانية للاساءة للمملكة، بالقول انها رغم الدفع تحصل على نتائج سلبية!! يبدو ان التقرير ايضا لا يخلو من التأثير المصمم بالاهداف. التقرير الذي جاء تحت عنوان «Want to be a ‘foreign agent'؟ Serve in Congress first» يبدو واضحا من مضمونه انه يرغب في تشويه صورة المملكة، رغم ان الاستعانة بشركات العلاقات العامة ومؤسسات الضغط، امر يبدو ممكنا في النظام السياسي الامريكي، فهو بصلبه قائم على التسويات والمساومات والتفاهمات، ولهذا تقدم اعضاء في الكونجرس بمطالبات تمنع اعضاء الكونجرس من تأسيس او العمل لصالح شركات العلاقات العامة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، حتى لا يؤهله ذلك لاستثمار وتوظيف علاقاته لصالح دول اجنبية بالتأثير على الكونجرس، ويذكر ان لمؤسسات الوساطة دورا كبيرا في الحياة السياسية الامريكية، حيث يشير التقرير الى ان أحد وزراء خارجية دولة افريقية طلب لقاء مع وزير خارجية امريكي، غير ان هذا الوزير لم يستجب لا بل واعتذر، فما كان من وزير الخارجية الافريقي سوى الاتصال على أحد معارفه في مكاتب العلاقات العامة، ليقدم له مبلغ 800 الف دولار، مقابل تأمين المقابلة، ولم يمض على المسؤول الافريقي الذي حول المبلغ بشكل عاجل سوى دقائق ليأتيه الرد بالاجابة. ويشير التقرير الى انه وعقب الانقلاب الفاشل استدعت تركيا كبار اعضاء الكونجرس وبعض مؤسسات العلاقات العامة وضغطت عليهم بضرورة دفع الادارة الامريكية لادانة الانقلاب، وقد نجم عن ذلك سلسلة من الاعتذارات والزيارات، فالاتراك لديهم اصول عمل كبيرة في امريكا، وكذلك الامارات لديها اصول علاقات عامة متميزة استطاعت تعزيزها خلال السنوات الماضية، ليست محدودة بالكونجرس والادارة الامريكية ووزارة الخارجية، وانما شملت غالبية الرمزيات والمؤسسات الاعلامية والثقافية والفنية والاقتصادية، ولم تتوقف عند الجانب المالي، بل اجتذبت الامارات العديد من وسائل الاعلام الامريكية، واستطاعت تسويق نموذجها الخاص، وكذلك قطر التي تتقارب مع المملكة وتتشابه أيضا، غير أن تنوع الاستثمارات القطرية في الخارج، جعلها أكثر دينامية، إضافة الى استقطابها أفرع الجامعات العريقة ومراكز الابحاث والدراسات وكذلك الجزيرة الانجليزية، التي نجحت في تقديم الصورة عن المنطقة بلغة مختلفة وبمهنية واحترافية عالية ساهمت في بعض الاحيان بالتأثير في الرأي العام الامريكي، وبرز ذلك في الربيع العربي والانقلاب على الرئيس مرسي، وكذلك الانقلاب الفاشل في تركيا. القوة الناعمة ليست مجرد علاقات وحوارات ومقالات تكتب، وانما القوة الناعمة تجثم على ارضية نوعية حية ومؤسساتية ومتنوعة تحترم التنوع والاختلاف، وتزخر بالمعالم الثقافية من تراث وتاريخ وابداعات فنية، ومعرفية، والقوة الناعمة متعددة الوسائل والاهداف والاغراض، وبالتالي، فهي غير مقتصرة على طرف دون طرف، وانما ترتكز على تراكمات طويلة من الخبرة الاتصالية المؤثرة، وقدرة في فهم الآخر، وفي كيفية التفاهم معه والتأثير به، مع الآخذ بالاعتبار ان الدول والمجتمعات تمر بتحولات وبخاصة الدول ذات الامكانات المتعددة، حيث تنشأ قوى جديدة، وتنشأ تحالفات قوة جديدة، ويتأثر الرأي العام بعوامل مؤثرة عديدة، ونحن لسنا الوحيدين في هذه الساحة وانما هناك فاعلون آخرون يمتلكون تصميما وامكانات وآليات قد تكون أفضل منها ما يجعلها أكثر قدرة في التأثير، ولعلنا ننظر الى تريتا بارسي مثلا المسؤول عن اللوبي الايراني في امريكا جلس سنوات طوالا، وهو ينشئ ومجموعة من الايرانيين ومنذ 1978، نمطا جديدا من العلاقات العامة الايرانية «المقاتلة» والتي تتمتع بروح الجندية، لتحقيق اختراقات في قلب ووسط مجمعات القرار السياسي الامريكي. ان العمل الدبلوماسي وتحديدا في قطاع Public Relation يحتاج مواصفات اتصالية وازنة وخاصة، متعددة المرتكزات والخيوط، تؤمن بالمتابعة والرصد من جانب، والقدرة على الاستقراء والاستشفاف المبكر، والقدرة على المعالجة الفنية، والتفاعلية مع مستويات القرار السياسي والاعلامي، والفصل بين الاعلام السياسي والسياسات الاعلامية، والحضور الدائم والفاعل، والقدرة على التشخيص والاستنفار، والضغط، والتجنيد والكسب، وهذه الاعمال لا يقوم بها الافراد وحدهم مهما كانت صدقيتهم، بل هذه الاعمال لا تنجح ولا تحقق أهدافها بلا مؤسسة ناظمة وإستراتيجية واضحة. ان ما جاءت به مجلة politico امر شائع في الحياة الاعلامية والسياسة الامريكية، ولكن علينا طرح الاسئلة حول نمطية الاعمال التي نقوم بها، وتراجع تأثيرها، وهذا يحتاج الى مراجعات للسياسة الخارجية وادواتها، في ظل تشعب الاعمال والتحديات وتشابك المصالح الدولية، الامر الذي يؤكد حاجتنا الى وحدة متخصصة للتأثير الاستراتيجي، يشرف عليها نخبة من الخبراء في مجال السياسة والاعلام والاعلام الجديد، والعلاقات العامة والادارة وعلم النفس السياسي والعلاقات الدولية، وان تكون ادارات هذه المرافق خالية المصالح والمكاسب الذاتية.