في أثناء الثلاثة عشر يوماً التالية للمناظرة الرئاسية الأخيرة، حفر دونالد ترامب لنفسه حفرة عميقة، وأحالها إلى خندق وطفق يلقي القنابل اليدوية على خصومه، بمن فيهم كثيرون في حزبه الجمهوريّ. وليلة الأحد، ألقى ترامب القنبلة الأكبر على هيلاري كلينتون، لكن قنبلته المدوية انفجرت في وجهه. فبعد أن تعرض لأكثر الأنباء دراماتيكية طوال الأسبوع، إن لم يكن طوال حملته الخيالية - ألا وهي الكشف عن أنه منذ 11 عاما، تباهى ترامب ممسكاً بمكبر ببرنامج Access Hollywood بأن بإمكانه التحرش جنسياً بالنساء لمجرد أنه «نجم» من نجوم المجتمع - طفق مرشح الحزب الجمهوري المُحاصر بالإدلاء ببيان غير منطقي بالمرة ولا يمت بصلة لموضوع الحوار: «كان هذا تلاسناً بذيئاً، ولقد اعتذرت لعائلتي وللشعب الأمريكي بأسره»، هكذا صرح ترامب لأندرسون كوبر من شبكة أخبار CNN. «ولكننا نعيش في عالم تبتر فيه جماعة (داعش) الرؤوس وتُغرق الناس في أقفاص من حديد... إننا نعيش في زمان أشبه بالعصور الوسطى». بدا وكأنه يدافع عن «المساس بشرف النساء» لأننا «نعيش في زمان أشبه بالعصور الوسطى». من كان يدري؟! وتعليقاً على هذا الكلام قالت جوان والش، مراسلة الشؤون المحلية في تقرير لها نشرته مجلة «ذا نيشن» الأمريكية: «لكن، يجب أن أعترف أن مشاهدة مناظرة ليلة الأحد بدت أشبه بكثير بالتعذيب الذي كان يجري في العصور الوسطى». خلال النزال الذي استمر 90 دقيقة وكان لا بد أن يفوز به ترامب، طارد المرشح اللاذع كلينتون على نحو مثير للذعر، حيث ظل يحوم حولها بشكل يشي بالتهديد وعلى نحو مثير للضحك نوعًا ما، لقطةً بعد أخرى على شاشات التلفاز. ومرة أخرى نراه يستنشق بصوت عالِ بلا توقف، ويصيح في وجه مديري المناظرة المحنكين جدًا. صرخ ترامب محتجا «ثلاثة على واحد» عندما كبح أندرسون كوبر من شبكة CNN الإخبارية ومارثا راداتس من شبكة تلفزيون ABC جماحه كلما تجاوز الوقت المحدد له. ويزعم ترامب أن كلينتون «تضمر حقدًا مهولاً في قلبها» وهددها بأن يضعها وراء القضبان إذا ما قُدِّرَ له. لكن كل هذا بدا طبيعياً بالمقارنة بالطرائف الافتتاحية للمناظرة. قبل ساعة، وبينما تساءل المثقفون عما إذا كان ترامب سيحضر المناظرة «نادما» تماماً عما بدر منه من تصريح فيه خدش للحياء وتحرش بالنساء، دعا مرشح الحزب الجمهوري العنيد، والمختل عقليًا ربما، على حد وصف تقرير المجلة الأمريكية، وسائل الإعلام إلى غرفة للقاء سيدات سبق أن اتهمن مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وزوجها بعدد كبير من الجرائم غير المثبتة. كانت هناك بولا جونز وكاثلين ويلي وجونيتا برودريك المؤيدة ل ترامب والتي صرحت لوسائل الإعلام بأن بيل كلينتون اغتصبها بعد 20 سنة من زعمها بوقوع الحادثة والتي أمست الآن ضحية ناضجة لواقعة اغتصاب قاصر كان يُدافع عن مغتصبها أستاذة قانون شابة تُدعى هيلاري كلينتون عينها القاضي للدفاع عنه في القضية. كانت تلك أحط لحظة شهدتها في تاريخ السياسة الأمريكية، وكانت إيذانًا بالطريقة التي ستمضي بها المناظرة. بادر مديرو المناظرة في وقت مبكر بطرح أسئلة حول مقطع فيديو ترامب المشين في برنامج Access Hollywood. وكانت إجابة كلينتون استراتيجية. فقد ذكرت أن ترامب أهان النساء، وأيضا أهان «الأمريكان الأفارقة واللاتينيين وأصحاب الإعاقات والمسلمين وغيرهم كثيرين. وهذه التصريحات لا تعبر عنا». وتابعت قائلة: «أود أن أرسل رسالة لكل فتى وفتاة، ألا وهي أن أمريكا دولة عظيمة بالفعل، لكننا عظماء لأننا صالحون، وسنحترم بعضنا بعضاً، وستعاون مع بعضنا بعضاً وسنحتفي بتنوع مجتمعنا». وانقض ترامب على كلينتون، بفتور نوعاً ما قائلاً: «كان بيل كلينتون مسيئاً للنساء مستغلاً لهن. ولقد هاجمت هيلاري كلينتون هؤلاء النسوة أنفسهن، وهاجمتهن بوحشية - وأربعة من هؤلاء النسوة موجودون معنا الليلة». تجاهلت كلينتون تهمته وركزت على مسار حديثها، مشيرةً إلى هجمات ترامب على خضر خان، والقاضي جونزالو كورييل، والصحافي سيرجي كوفاليسكي، ثم أضافت: «وهو لم يعتذر قط عن الكذبة العنصرية بأن الرئيس أوباما لم يولد في الولاياتالمتحدة». في المطعم الكائن بحي هارلم حيث شوهدت المناظرة، انفجر الحشد مهللاً. بدأ قادة الحزب الجمهوري في التراجع عن تأييده منذ إصدار مقطع فيديو برنامج Access Hollywood. وأعلن أعضاء الكونجرس الأمريكي المحسوبين على الحزب الجمهوري، بمن فيهم الداعمين لفكرة إعادة الانتخابات أمثال أعضاء مجلس الشيوخ جون ماكين عن ولاية أريزونا، وكيلي أيوت عن ولاية نيوهامبشير، وروب بورتمان عن ولاية أوهايو، إضافة إلى مرشحي مجلس الشيوخ أمثال جو هيك في نيفادا، عن تخليهم عن تأييد مرشح حزبهم. ومن المحبط، بحسب «ذا نيشن»، أن الكثير من المثقفين المحنكين، حتى على شبكات التلفزيون التي لا تنتمي لشركة «فوكس»، حاولوا الزعم بأن ترامب لم يخسر، ولو أنه لم ينتصر بالضبط، وأن أداءه جاء أفضل من المتوقع. وبعدها بدأت نتائج الاستفتاءات الفورية تتابع، فأظهرت أن المشاهدين رأوا أن ترامب هو الخاسر على نحو واضح وجلي، وأداؤه كان كارثيا على أية حال.