أحدث المشروع الوطني الجاد والضخم «توطين قطاع الاتصالات»، حراكا استثماريا واجتماعيا وأمنيا وإعلاميا بين أوساط السعوديين، وبخاصة لدى الشباب والشابات المتأهبين لاقتحام هذه السوق الواعدة، التي كانت تكتظ بالعمالة الوافدة. وأسهمت الحملات التفتيشية الجادة لوزارات الداخلية، العمل، التنمية الاجتماعية، الشؤون البلدية والقروية، التجارة والاستثمار، والاتصالات وتقنية المعلومات، إلى جانب إمارات المناطق، في تطهير السوق من التستر التجاري ومن العمالة المخالفة؛ لتمنح الشباب شعلة أمل في ترويض البطالة والاستثمار في بيئة صحية، واستيعابهم في سوق مهمة لها أبعاد أمنية مع هذا التقدم التقني بالعالم. ورغم التحديات أمام الشباب والخبرة المحدودة في صيانة الأجهزة الذكية، وامتناع بعض مندوبي المبيعات الأجانب عن البيع للسعوديين في محاولات يائسة لإحباط المشروع الوطني، إلا أن الدعم الحكومي الكبير للشباب والحملات التفتيشية وملاحقة المخالفين تبدد هذه العقبات وتعزز صمود الشباب في هذه السوق التي أصبحت بصبغة وطنية كاملة. ولأهمية هذا المشروع اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، تفتح صحيفة «اليوم» ملفات هذا المشروع عبر ندوة شاملة جمعت مسؤولين حكوميين من وزارات العمل والتجارة والاستثمار والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؛ لتسليط الضوء الوطني على المنجزات المتحققة، وعرض البرامج المطروحة المتزامنة مع تصحيح سوق الاتصالات ونقله بيد شبابنا وشاباتنا. وفيما يلي تفاصيل الندوة: ¿ إلى أين وصلت الجهات الحكومية في مشروع توطين قطاع الاتصالات؟ وما هي العلاقة التكاملية بين الجهات المعنية في هذا الصدد؟ د. أحمد الفهيد: بلغ عدد المسجلين من الشباب والشابات المقبلين على العمل في سوق الاتصالات في البوابة الإلكترونية أكثر من 100 ألف متقدم ومتقدمة، وتم إنجاز التعاون مع شركتين عملاقتين في مجال الأجهزة الذكية لتنظيم دورات في المبيعات والصيانة الأساسية، فيما اجتاز قرابة 87% من المتدربين والمتدربات الدورات التدريبية، التي تم تصميمها بالتعاون مع شركتي (هواوي الصينية) و(سامسونج الكورية) التي قدمتها المؤسسة في مجال بيع وصيانة الجولات وذلك من خلال 25 ساعة تدريبية لمهن خدمة العملاء والمبيعات والصيانة الاساسية و150 ساعة تدريبية للصيانة المتقدمة. الدكتور فهد العويدي: يعتبر مشروع التوطين أول مشروع وطني يقوم على الشراكة بين الوزارات، وهذه الشراكة هي أحد ضمانات نجاح القرار، الذي سيكون انطلاقة لمشاريع تشاركية قادمة. وهناك جهات تتولى تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها للعمل في قطاع الاتصالات: كالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وصندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، واللذين كانا لهما دور في تقديم دورات مختلفة في مهارات البيع أو خدمة العملاء أو الصيانة لما يقارب 30 ألفا من الراغبين بالعمل في سوق الاتصالات، كما يقدم (هدف) الدعم لأصحاب الأعمال المتجهين للاستثمار في هذا القطاع، الذي يحقق لهم مكاسب مادية مناسبة. ¿ ماذا عن أهمية توطين قطاع في البعدين الاجتماعي والأمني؟ فهد الثنيان: إن قرار التوطين ناجح ومطلوب لسبب في غاية الأهمية، يرتبط بالبعد الأمني لهذا القطاع، ومن المعلوم أن قطاع الاتصالات يمكن أن يلعب في عالم اليوم دورا خطيرا في الحفاظ على الأمن القومي. ومن البديهي كونه في يد أبناء الوطن فهو أمر حيوي جدا؛ للحفاظ على أمننا القومي. ومن المهم أن يتم إعداد خطط إعلامية مكثفة توضح للشباب الفرص التجارية الكامنة في هذا القطاع؛ لتشجيعهم على الانخراط فيه، وخصوصا أن قطاع الاتصالات لا يقتصر على بيع الأجهزة فقط، وإنما يتعداها إلى الصيانة والبرمجة، وغير ذلك من الخدمات المرتبطة به بشكل يفتح الآفاق بشكل واسع أمام عدد كبير من الراغبين بالعمل من شباب وفتيات الوطن. والمملكة دولة ثرية ومتقدمة، وبالتالي، إذا أردنا أن نقارن مستوى العيش فيها فيجب أن نقارنه بالدول المتقدمة. من هنا، فإن قرار توطين قطاع الاتصالات كان في نظري قرارا حكيما وتوقيته كان صحيحا، وهذا القطاع له قبول اجتماعي جيد. ويمكن أن يشتغل فيه الشباب من جميع الفئات الاجتماعية بأريحية تامة، وله عوائد تجارية ممتازة، وعليه فيمكن للشباب الطموح أن يفتتح متجرا خاصا به برأسمال بسيط ويحقق دخلا ممتازا قد لا توفره أي وظيفة بالقطاع العام أو الخاص. ولا يستوجب هذا القطاع معرفة عريضة، بل إن الكثير من الشباب لديه اطلاع كبير على تفاصيل الأجهزة والبرامج نتيجة تعاملهم المستمر بها. وبالتالي فإن هذا القطاع يمكن أن يستوعب عددا كبيرا من اليد العاملة الشابة ذات التدريب القليل، وهي الشريحة الأكبر المتوفرة في سوق العمل، وعليه فإن قرار التوطين يكون بذلك قد أصاب الهدف تماما. ¿ ما البرامج والخطط المعدة من قبل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لتأهيل الشباب قبل انخراطهم في سوق الاتصالات؟ الدكتور أحمد الفهيد: هناك شروط للقبول في البرامج التدريبية المجانية الخاصة بتوطين قطاع الاتصالات والتي منها: - ألا يكون «المتدرب» موظفا في القطاع الخاص أو في القطاع الحكومي، والذين انطبقت عليهم الشروط حوالي 50% من المسجلين في الموقع، والتدريب شمل جميع مناطق المملكة بصفة عامة. وتم تدريب أكثر من 30 ألف متدرب ومتدربة حتى الآن بينهم أكثر من 7000 متدربة على مستوى مناطق المملكة تشكل نسبة المتدربات أكثر من 20%، وتم فتح مسارات جديدة للتدريب والتوظيف بالتعاون مع العديد من منشآت القطاع الخاص من خلال البرنامج الوطني للتنظيم المشترك. فيما أطلقت المؤسسة بوابة إلكترونية على موقعها لتسجيل المتدربين خلال الفترات الصباحية والمسائية، وذلك في أربعة برامج تدريبية هي: * برنامج أساسيات صيانة الجوال لمدة 25 ساعة تدريبية على مدى 5 أيام. * وبرنامجا مهارات إدارة المبيعات ومهارات خدمة العملاء لمدة 25 ساعة تدريبية لكل برنامج خلال خمسة أيام. - برنامج الصيانة المتقدمة لمدة ستة أسابيع بواقع 150 ساعة. لتسهم تلك البرامج في تأهيل المتدرب بشكل جيد مما يمكنه من العمل في صيانة الجوالات وبيعها. بينما تعمل المؤسسة على وضع ثلاثة مستويات لمعايير ضبط الجودة في التدريب وضمان خروج المتدرب بتأهيل مميز يسهم من خلاله بالعمل في بيع وصيانة الجوالات والتعامل مع الزبائن، حيث تتنوع المقررات التي تعطى لهم في الدورة والتي تشمل كافة التفاصيل الدقيقة. ومن أهم معايير ضبط الجودة: في حال غياب المتدرب لأكثر من يوم؛ يحرم من منح الشهادة، ومن لم يحقق في الاختبار 60% في النهائي أيضاً لا يمنح شهادة. وتعمل المؤسسة على تقييم تلك البرامج بشكل مستمر واستطلاع آراء المتدربين بشأنها حيث حصلت البرامج التدريبية على نسبة رضا من المتدربين بلغت (95%)، وذلك وفق استطلاع رأي حديث شمل الملتحقين بالدورات في مختلف مناطق المملكة، وبين الاستطلاع ذاته أن نحو 87.4% من الخريجين أن البرنامج حقق لهم الفائدة في مجال عملهم. ونفذت المؤسسة برامج تدريبية لذوي الإعاقة في هذا المجال بناءً على احتياجهم، وعملت على تجهيز قاعات تدريبية تتناسب مع إعاقتهم الحركية، وذلك بعد استطلاع آرائهم للتعرف على الاحتياج الفعلي لمتطلبات التدريب لهم؛ لضمان تحقيق الفائدة القصوى من البرامج التدريبية المخصصة لهذه الفئة من المجتمع في مجال الاتصالات. وعقدت أولى الدورات في الرياض ببرنامج أساسيات صيانة الجوال بالتعاون مع جمعية الإعاقة الحركية للكبار، يتبعها دورات لذوات الإعاقة قريبا لتمكينهن من الاستفادة من العمل بنشاط بيع وصيانة الجوالات، وحرصت المؤسسة في الدورات الموجهة لذوي الإعاقة على التنسيق مع ممثلي الجهات الحكومية ذات العلاقة من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وصندوق تنمية الموارد البشرية، والبنك السعودي للتسليف والادخار، ومعهد ريادة الأعمال الوطني؛ للإسراع في تسهيل حصولهم على فرص عمل مناسبة أو ممارسة العمل الحر في هذا القطاع الحيوي. ¿ ما دور شركات الاتصالات الرئيسية في هذا المشروع؟ الدكتور فهد العويدي: أبرمت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عدة اتفاقيات مع شركات معروفة: كشركة الاتصالات وشركة موبايلي وغيرهما من الشركات الأخرى لتأهيل الشباب السعودي للعمل في سوق الاتصالات. وتسعى الوزارة للوصول للجميع سواء لرواد الأعمال أو طالبي وطالبات العمل لتدريبهم عن طريق الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر القنوات الإعلامية الأخرى. وفيما يخص التوظيف؛ هناك جهات تعمل على ذلك كالغرفة التجارية أو عن طريق برنامج طاقات، وأثمرت المرحلة الأولى عن التزام أكثر من 24 ألف منشأة في كافة مناطق المملكة، بعد أن نفذت الفرق التفتيشية ما يقارب 29 ألف زيارة، وانتهت المرحلة الأولى بتحقق الهدف المنشود، حيث إن نسبة التوطين كانت لا تتجاوز 20 في المائة في بداية المرحلة إلى أن وصلت إلى 90 في المائة في نهايتها، وكذلك النجاح مستمر في المرحلة الثانية. ومرّ مشروع توطين قطاع الاتصالات بعدة مراحل؛ المرحلة التمهيدية قبل 1 رمضان، والتي تضمنت تجهيز القطاع الخاص وتهيئتهم للقرار، وتدريب السعوديين الراغبين بالعمل. في حين بدأت المرحلة الأولى في الأول من رمضان بتوطين 50 في المائة من القطاع، ثم المرحلة الثانية والتي بدأت في الأول من ذي الحجة بتوطين 100 في المائة، وهي النسبة التي تسعى الوزارات الشريكة إلى تحقيقها في الفترة الحالية. ¿ كيف ينظر رجال الأعمال والمختصون إلى التسهيلات الحكومية لدعم توطين قطاع مهم كالاتصالات؟ الدكتور فهد الثنيان: الجهات الحكومية المختلفة أدت -دون شك- دورا كبيرا في تهيئة الفرص للشباب السعوديين لاقتحام قطاع الاتصالات. أولاها بطبيعة الحال قرار التوطين (100%)، إضافة إلى قرار بنك التسليف تقليص مدة الحصول على قروض تمويل مشروعات قطاع الاتصالات من 90 يوماً إلى 10 أيام، إضافة إلى دور صندوق الموارد البشرية الذي يقدم التدريب لرياديي الأعمال الراغبين الدخول في قطاع الاتصالات لمدة ثلاثة إلى خمسة أسابيع متواصلة لتدريبهم على جميع الجوانب التي يحتاجونها في إدارة العمل وهو تدريب مجاني مدعوم من صندوق الموارد البشرية بشكل كامل، وإطلاق المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني البرامج التدريبية المجانية المتخصصة في صيانة الجوال في عدد من مناطق المملكة، التي تستهدف تدريب آلاف الشباب والفتيات. فيما أنصح إخواني وأخواتي من الراغبين بالعمل في قطاع الاتصالات بأن هذا من العمل المبارك الذي يتصل بشيء ترغب فيه النفس في عالم اليوم. فالحديث عن الجوالات والتطبيقات المرتبطة بها هو الشغل الشاغل للناس اليوم. ولعلك إذا كنت في مجلس رأيت الناس تستمع للخبير في الاتصالات أكثر مما تستمع فيه للطبيب. فهذا عصر الاتصالات بجدارة. وبالتالي فإن العمل فيه يحقق للإنسان طموحه الاجتماعي إضافة إلى ما فيه من مصلحة تجارية كبيرة. العمل الحر له من المزايا ما لا حصر له. وهو خير من العمل الوظيفي بكل المقاييس. وقد اجتهدت الحكومة في توفير الكثير من الدعم؛ لتمكين الشباب من النجاح في هذا القطاع، سواء من حيث التدريب أو التمويل أو تخفيف المعوقات التنافسية غير العادلة من خلال التوطين الكامل. وبالتالي، فإن الشباب مطالب اليوم باقتحام العمل واستغلال الخدمات المسخرة له. والله ندعو أن يوفق جميع أبناء الوطن لتحقيق الرزق الطيب الحلال وأن نساهم جميعا في بناء وطننا الحبيب. ¿ وماذا عن الإحصائيات المتوافرة في وزارة العمل حول الحملات التفتيشية؟ الدكتور العويدي: المرحلة الثانية بدأت بضبط 241 مخالفة على مستوى المملكة، وتم إحالة 225 منها إلى لجنة العقوبات بسبب عدم الالتزام بالقرار، وتتعدد عقوبة المخالفة (20 ألف ريال) بتعدد العمّال، وتتضاعف الغرامة في حالة التكرار، وهناك لجنة توقع الغرامة على صاحب المنشأة ثم يبلغ بالتسديد خلال فترة محددة، يتم بعدها إيقاف خدمات الوزارة في حالة عدم السداد. وتتولى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التفتيش العمّالي على المحال، في حين توزع الأدوار الأخرى على الجهات الشريكة، بحيث لا يتبقى لأصحاب المنشآت خيار سوى التوطين. وفي الحقيقة، مهمة التفتيش هي مهمة وطنية يشارك فيها أفراد المجتمع فيما يعرف ب «التفتيش المجتمعي» عن طريق الإبلاغ عن مخالفات قرار توطين قطاع الاتصالات، من خلال الموقع الإلكتروني «معا للرصد» على الرابط rasd.ma3an.gov.sa، أو عبر الاتصال على هاتف خدمة العملاء الموحد 19911. ¿ كيف تنظرون إلى تعاون المجتمع في الحملات التفتيشية على محال الاتصالات؟ الدكتور فهد العويدي: الوزارة تتعاون مع ما تسميهم ب «السفراء» وهم شباب وشابات سعوديون يمتلكون محلات في أسواق الاتصالات يساعدون المفتشين في مهامهم بالتبليغ عن المحال غير الملتزمة بالتوطين. وأشكر مديري المناطق الذين كان لهم دور في تنفيذ عملية التفتيش، حيث اتخذت كل منطقة نقاطا تفتيشية دائمة في مجمعات الاتصالات، إضافة إلى تكليف بعض المفتشين بالعمل بشكل يومي خلال الفترتين الصباحية والمسائية في مجمعات معينة، وذلك لبلوغ النسبة الكاملة في التوطين. ¿ ماذا عن تطبيق فكرة التوطين في قطاعات أخرى غير الاتصالات؟ الدكتور فهد العويدي: تتجه الوزارة إلى توطين قطاعات جديدة إلى جانب قطاع الاتصالات: كمعارض السيارات والعقار وأسواق الخضار والأجرة والذهب وذلك بالتعاون مع الجهات الحكومية لضمان نجاح التوطين. تمكنت المرأة السعودية من إثبات كفاءتها في صيانة أجهزة الجوالات فرق التفتيش تضبط أحد العمالة لصيانة الأجهزة في المنزل حملة تفتيش جادة لإحلال السعوديين في هذا القطاع الواعد فهد الثنيان أثناء الندوة د. الفهيد ود. العويدي والثنيان أثناء الندوة بحضور الزملاء ماجد الميموني، صالح الطلحاب، حسين مطر، وسعود الحواس