هذا المكسب المهول لا يتطلب أن تكون مخترعا، أو رائد أعمال مكافحا، أو جرّاحا بارعا، أو مُبدعا.. أو فنانا عبقريا! كل ما هو مطلوب هو أن يكون لدى الشخص المحظوظ حساب على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي.. ولنقل إنستغرام مثلًا. وفي شبكات التواصل هذه تعيش أسماء لا تقدم للعالم سوى التفاهة، ومنهم سيّدة التفاهة العالمية الشهيرة كيم كارديشيان، التي تتقاضى اليوم عن اللايك والمنشن مبالغ تتراوح بين 30 ألفا و300 ألف دولار أمريكي بحسب النشاط التسويقي لسلعة معينة، حيث يتراوح نشاطها بين اللايك (إعجاب)، والريبلاي (بالرد على المنشن)، والمنشن المباشر من حسابها (تقوم بتوجيه رسالة إلى علامة تجارية بعينها متضمنة رسالة ثناء أو إعجاب بمنتجاتهم). وهذه التفاعلات لا تستغرق أكثر من ثانية في ظل وجود شبكة قوية للإنترنت كالتي تتيحها أمريكا، ولا ينطبق الحال على شبكات الإنترنت المتوافرة لدينا طبعا، فمشاهير شبكات التواصل لدينا (التافه منهم والعاقل) يبذلون جهدا أكبر باستغراق زمن أطول في تفعيل هذا البزنس، مع احترام البون الشاسع في الأجور على كل حال. طبعا مصلحة الضرائب الأمريكية سيجن جنونها، لأن هذه التعاملات التسويقية التي تكفل للمشاهير التافهين أرباحا بعشرات الملايين شهريا لا تدخل في العقود الرسمية للأنشطة التسويقية التي تتطلب حضور الشخص الشهير بصفته وشخصه إلى موقع معين أو مناسبة معينة. إنه مجرد حضور افتراضي في العالم الرقمي عبر (لايك) أو (منشن) وغيره من أنماط التواجد. ولكن الحرب القانونية بدأت فعلا، وهناك قانونيون يعملون ليل نهار لتطوير قوانين جديدة تنقذهم وتدحض ادعاءات المشاهير بأن ما يقومون به على هذه الشبكات ليس تسويقا مدفوع الأجر، بل لا يعدو كونه (سوشالايزنق) بريئا والغاية منه هو التفاعل مع مختلف الشرائح الاجتماعية.. سواء كان التفاعل موجها إلى شركة لمستحضرات التجميل أو عاطل عن العمل ومدمن للكحول ممن ينامون على أرصفة نيويورك! ولا استبعد في واقع الأمر أن تصل حمى المطاردات القانونية الى دول الخليج.. فرؤية المملكة 2030 مثلا تنص على وجوب فرض رسوم على الإعلانات، ولكنها لم تشمل شبكات التواصل. وبالرغم من قيام حملات مهولة في الغرب للتوعية بأضرار تحويل التافهين إلى مشاهير، إلا أن أعداد معجبي هؤلاء التافهين في ازدياد مهول، وهذا يؤكد أن للتفاهة جمهورا كما يقول علماء الاجتماع، فوجود هؤلاء الفارغين على منصات الشهرة الجديدة مردود إلى حاجة الناس إلى الشعور بأن هناك من هو أقل منهم قدرة، وأكثر كذبا، وأعلى امتهانا للذات. وهذا بدوره يحقق قدرا كبيرا من الرضى لدى عموم الناس، ويمنحهم موضوعا جديدا يتحدثون عنه، لتستمر المهزلة وتتسع دائرتها إلى ما لا نهاية!