تتأهب صناديق الاقتراع لانتخابات البرلمان الأردني المزمعة غداً الثلاثاء لأصوات المقترعين، وسط «صمت انتخابي» أعقب فوضى انتخابية عارمة وحالة عميقة من عدم اليقين، رافقت سباق المترشحين ومناصريهم للفوز بتمثيل الأردنيين. وقالت الهيئة المستقلة للانتخاب، التي يترأسها المعارض الأردني السابق د. خالد الكلالدة: إن «الأردن دخل مرحلة الصمت الانتخابي في تمام الساعة السابعة من صباح اليوم الاثنين، ولمدة 24 ساعة تفصل الأردنيين عن صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في مجلس النواب». وبين الناطق باسم الهيئة جهاد المومني، في حديث ل «اليوم» أن «الصمت الانتخابي يقضي بالتوقف التام عن الترويج والدعاية الانتخابية، بمختلف الوسائل، وتحت طائلة المساءلة القانونية». ويقضي قانون الانتخاب الأردني، الذي شرّع حديثاً، بتوقف المترشحين إلى الانتخابات ومناصريهم عن القيام بأية أعمال ترويجية أو دعائية في اليوم السابق لبدء الاقتراع، وهو ما يدخل البلاد في مرحلة سكون من بعد فوضى عارمة رافق يومياتها مع إطلاق شارة السباق الانتخابي. الفوضى الانتخابية وجدت تعبيراتها في عشرات الظواهر المرافقة للعملية، ابتداء من صور المترشحين التي «طمست» امتداد البصر في مختلف المناطق، وكانت علامتها البارزة «الابتسامات العريضة»، ووصولاً إلى تلك الشعارات المفرطة في التفاؤل كالوعد ب «استخراج النفط في الأردن»، أو الغارقة في التشاؤم كما هو الحال في حديث المعارضين عن «تجذر الفساد والمفسدين». الناقدة الأردنية زليخة أبو ريشة، وهي معلق سياسي واجتماعي، تقول: إن «الابتسامات العريضة للمترشحين جعلت من الانتخابات وكأنها مسابقة لاختيار الأوسم أو الأكثر أناقة، ومن لديه من كيمياء وكاريزما طاغية». المشهد الصوري يذكّر أبو ريشة ب «زمن مضى»، إذ كانت الفتاة تصنع في ذهنها صورة ل «ملهمها الفاتن، وفارس الأحلام المأمول». فوضى الابتسامات العريضة، التي اتخذت ابعاداً بانورامية، رافقها فوضى من نوع آخر، عنوانها «شعارات فضفاضة، تبدأ من تحرير القدس، ولا تتوقف عند الأندلس»، وفق الخبير في الشأن الأردني لقمان سعادة. يقول سعادة: «شعارات المترشحين استطاعت خلط أولويات المواطن الاردني، وربما زيّفتها وحرفتها عن سياقها الحقيقي»، ويضيف: «غابت الأولويات الوطنية الأردنية عن شعارات وبرامج المترشحين، وذلك في زحمة السعي لكسب أصوات الناخبين، فبرزت الهويات الفرعية - الاجتماعية والدينية والعرقية والمناطقية - كموجّه للمترشحين». ويسجل سعادة فورقات في «المفردة الانتخابية» جرى توظيفها حسب المكان والزمان والمتلقي، وأدت إلى «إعادة إحياء الانشقاقات الاجتماعية في البلاد، وذلك لكسب الحواضن الشعبية المتشابهة لصالح المترشحين، الذين بلغ عددهم رقماً غير مسبوق». واستناداً لحديث رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات د. خالد الكلالدة إلى «اليوم»، بلغ عدد القوائم الانتخابية المشاركة 226 قائمة، وضمت 1252 مترشحاً ومترشحة، منهم 920 مسلما ذكرا و245 انثى مسلمة، و58 مسيحيا ذكرا، و5 مسيحيات إناث، و22 ذكراً شركسياً وشيشانياً، ومرشحتين شركسية وشيشانية. ويتنافس المترشحون، وفق نظام خاص يخصص مقاعد محددة للإناث والأقليات الدينية والقومية، لشغل 130 مقعداً، هي عدد مقاعد مجلس النواب الأردني المقبل. قبيل مهلة «الصمت الانتخابي» تصاعدت حدة المنافسة بين المترشحين، لتبلغ منحنيات دقيقة، إذ «دخل الدين معمعة المعركة»، وفق وصف الإعلامي والكاتب إبراهيم قبيلات. يقول قبيلات ل «اليوم»: الحملة الانتخابية «بلغت أوجها ببروز الصراع بين التيار الإسلامي، ممثلا بمرشحي الحركة الإسلامية الأردنية واسعة الانتشار والنفوذ، والتيارين العلماني الصاعد والمحافظ التقليدي، ما أسهم إلى تعمق الفرز بين الناخبين على مختلف توجهاتهم ومستوياتهم». ويلفت قبيلات إلى «رقص الباليه» (نوع من الرقص الغربي) باعتباره نموذجا للأجواء المشحونة، مبيناً أن الحديث بشأنه هو «ذروة الصراع الانتخابي»، التي قادت إلى «حملات تشويه متبادلة للمنافسين، فيما تعالى الحديث بشأن الانتصار للدين في مواجهة التيارات العلمانية». ويرى قبيلات أن «المجتمع الأردني متنوع، واستطاع الحفاظ على تماسكه في مختلف المراحل الدقيقة، إلا أن البروز الحاد لبعض الظواهر يكشف عن أزمات عميقة توارت عن أعين الأطراف كافة». وذات السياق، تبدو المشاركة الواسعة للحركة الإسلامية، ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، في الانتخابات النيابية مثار إقلاق لمختلف الأطراف، فهي ابتداء - وفقا لقبيلات - «الجهة الأكثر تنظيما والحزب الأقوى أردنياً، وكذلك تقف على طرف نقيض مع التوجهات الحكومية والتيارات العلمانية والمحافظة في الدولة». وألقت جماعة الإخوان المسلمين الاردنية، عبر «التحالف الوطني» (حديث التأسيس)، بثقلها في الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد سيرة طويلة من المقاطعة الانتخابية المنظمة، في محاولة منها لتأكيد أن «الحركة الإسلامية عصية على التحجيم السياسي والانشقاقات التنظيمية، وأن قاعدتها الانتخابية تمتد في مختلف أرجاء البلاد»، وفق الخبيرة في شؤون الحركة الإسلامية ربى كراسنة. تقول كراسنة ل «اليوم»: إن «الحركة الإسلامية تعرضت لعدة ضربات في وقت سابق، وأدت إلى خروج العديد من قياداتها من رحم التنظيم الأم، إلا أن الأداء الانتخابي حتى الآن يكشف حقيقة قوتها وشعبيتها الواسعة، وقدرتها على التنظيم والمبادرة». وترى كراسنة أن «مختلف الأطراف تترقب نتائج الحركة الإسلامية، وهذا ما ستظهره صناديق الاقتراع غداً، وسيكشف حجم وقوة الإسلاميين حال عدم وجود اختراقات لشفافية العملية الانتخابية». وتخوض الحركة الإسلامية الأردنية الانتخابات ب 130 مترشحاً ومترشحة، وعبر 19 قائمة انتخابية، وفي غالبية الدوائر الانتخابية في البلاد، وضمن تحالف يضم قوى اجتماعية وقبلية، وذلك بعد مقاطعتها للانتخابات النيابية لدورتين متتاليتين احتجاجاً على قوانين الانتخاب السابقة. إلى ذلك، ترافق المترشحين للانتخابات ومناصريهم «أجواء كرنفالية» و«إفراط في التفاؤل»، إذ يتوقع جميعهم بلوغ قبة البرلمان الأردني، وهو ما يراه المراقب الانتخابي سعد العضايلة نتاجا ل «النفاق الاجتماعي»، وفق وصفه. يقول العضايلة: «النفاق الاجتماعي علامة بارزة في الانتخابات الأردنية، الناخبون يحجمون عن إبلاغ المترشحين بالموقف الانتخابي، ويكتفون بوعدهم بتأييدهم، وهذا احد أهم أسباب الافراط في التوقعات». ويلفت العضايلة إلى «غياب الآليات المتبعة في الديمقراطيات الغربية لقياس توجهات الناخب، الأمر الذي يعزز من حالة عدم اليقين لدى مختلف المترشحين».