الكتب الالكترونية لا تستحوذ على العالم! ذلك يبدو واضحا جدا من مسح أجراه مركز بيو للأبحاث الذي صدر في الفترة الأخيرة، والذي أظهر أن نسبة الأمريكيين الذين يقرأون الكتب الرقمية لم يرتفع منذ 2014. وبالرغم من ذلك، الدراسة لم تظهر أيضا أي علامة حقيقية على عودة الكتب المطبوعة. عموما، يبدو أن نسبة الأمريكيين المستهلكين للكتب بأي شكل من الأشكال تتجه بشكل متواضع إلى الانخفاض. بإبقائها ثابتة، تتقدم الكتب الإلكترونية قليلا على المطبوعة. هذا ليس بالضبط قصة «العودة إلى الكتب المطبوعة» التي تواصل دور النشر الأمريكية الحديث عنها في الآونة الأخيرة. نعم، ذكرت رابطة دور النشر الأمريكية في يونيو أن مبيعات الكتب المطبوعة كانت في ارتفاع في عام 2015، وأن المبيعات في محلات المكتبات التقليدية ارتفعت، أيضا. النسبة المئوية للأشخاص الذين يقرأون الكتب انخفضت قليلا، ولكن الناس الذين يقرأون الكتب فعلا يقومون بشراء المزيد منها. وهذا ما ينبغي لأي أحد أن يتوقعه من صناعة ناضجة في اقتصاد آخذ في التحسن - وهو بالتأكيد أفضل من كونها صناعة متدهورة بسرعة مثل نشر الصحف. كذلك ذكرت رابطة دور النشر أن الإيرادات من الكتب الإلكترونية كانت منخفضة بنسبة 11.3 بالمائة في عام 2015 وأن مبيعات الوحدة منخفضة بنسبة 9.7 بالمائة. هنا تصبح الأمور مضللة. نعم، شركات النشر المعروفة التي تنتمي إلى رابطة دور النشر الأمريكية تبيع عددا أقل من الكتب الإلكترونية. ولكن هذا لا يعني أنه يجري بشكل عام بيع عدد أقل من الكتب الإلكترونية. من أفضل 10 كتب على قائمة كيندل لأفضل الكتب مبيعا في أمازون عندما راجعت القائمة الأسبوع الماضي، كتابان فقط («النور بين المحيطات» و«فتاة في القطار،» وكلاهما عبارة عن طبعة ثانية لروايتين تم تحويلهما إلى فيلمين في الآونة الأخيرة). وكل ما تبقى كان روايات تتبع أجناسا أدبية معروفة منها (ست روايات رومانسية، وروايتان بوليسيتان) التي نشرت إما من قبل المؤلف نفسه أو عن طريق قسم داخلي تابع لشركة أمازون. وتراوحت أسعارها بين 99 سنتا الى 4.99 دولار. موقع «أرباح المؤلفين»، وهو تعاون بين كاتب الخيال العلمي المؤلف هيو هاوي مع صاحب الاسم مستعار «داتا غاي»، يواصل تتبع هذه الأمور بصورة أكثر منهجية. فقد ذكر أن حصة الناشرين «الخمسة الكبار» من مبيعات وحدة كيندل انخفضت من أكثر من 40 بالمائة في بداية عام 2014 إلى 23 بالمائة في مايو الماضي. وحيث إنه يغلب عليهم بيع الكتب الإلكترونية الخاصة بهم مقابل أسعار تزيد كثيرا على 4.99 دولار، فإن حصة الخمسة الكبار من إجمالي الإيرادات لا تزال حوالي 40 في المائة، لكنها تراجعت بسرعة أيضا. كذلك الكتاب المستقلون الذين ينشرون أعمالهم بأنفسهم - جزئيا لأنهم يحصلون على حصة من الإيرادات أكبر بكثير مما يحصل عليه المؤلفون الذين يعملون مع ناشرين تقليديين - يكسبون الآن مبالغ أكبر بكثير من مبيعات الكتب الإلكترونية في مجملها، مما يحصل عليه المؤلفون في شركات النشر الخمس الكبرى. ناشرو الكتب هم ما يسميه أساتذة كليات إدارة الأعمال «منصات ذات وجهين»، أو أسواق ذات وجهين. فهم يبيعون الكتب إلى القرّاء، ولكنهم أيضا يبيعون خدمات النشر للمؤلفين. عندما يتعلق الأمر بالكتب الإلكترونية، تختار دور النشر المعروفة عدم تقديم صفقة جيدة جدا لأي من القراء أو المؤلفين. بعد تجربة أمازون المبكرة بأن حددت أسعار الكتب الإلكترونية على قارئ كيندل عند 9.99 دولار، يحدد الناشرون الآن الأسعار، وبالنسبة للكتب الجديدة البارزة فإن السعر في كثير من الأحيان يكون في حدود 12.99 دولار إلى 14.99 دولار - ليس أقل بكثير من السعر المخفض للكتب ذات الأغلفة الصلبة في أمازون. وعلى الرغم من أن الناشرين ينفقون أقل بكثير على إنتاج وتوزيع الكتب الإلكترونية مما ينفقون على الكتب المطبوعة، إلا أنهم بالعادة لا يقدمون للمؤلفين حصة أكبر من العوائد. وبدلا من ذلك اختار الناشرون تحديد أولويات الكتب المطبوعة، ولا يمكنك إلقاء اللوم عليهم تماما. لا يزال يبدو أن معظم مشتري الكتاب يفضلون قراءة الكتب المطبوعة (وهو ما أفعله، ما لم أكن مسافرا)، والحفاظ على المكتبات المادية على قيد الحياة يبدو وكأنه صفقة أفضل بالنسبة للكثير من الناشرين من الاعتماد على أمازون القوية لتوزيع جميع منتجاتهم. محاولات أمازون اقتحام نشر الكتب المطبوعة لم تقطع شوطا كبيرا (ويرجع ذلك جزئيا إلى أن متاجر بيع الكتب كانت مقاومة ذلك)، ولذلك ربما يكون الوضع الحالي هو حالة من انفراج دائم في العلاقات. الناشرون يتنازلون عن الروايات من النوع الأدبي الرخيص لأمازون، وناشرو الرقمية الذاتيون -الذين يتعاقدون أحيانا مع أنجح المؤلفين الذين ينشرون لأنفسهم لتأمين توزيع أوسع لمؤلفاتهم - يحتفظون بمعظم ما تبقى من الأعمال التجارية لأنفسهم. هناك بعض المشاكل مع هذا السيناريو الثابت دون أي تغيير. الأكثر وضوحا هو أن أمازون لا تقوم حقا بإجراء أي انفراج في هذا الموضوع. فهي تقوم الآن بفتح مكتبات مادية تابعة لها لبيع الكتب المطبوعة، ولديها بالتأكيد خطط أخرى في جعبتها. الأمر الآخر هو أن الروايات الرخيصة هي تجارة مربحة لا يرغب الناشرون حقا في التخلي عنها. (نيوز كورب، صاحبة شركة النشر هاربر كولينز التي تعتبر من بين الشركات الخمس الكبرى، اشترت شركة نشر الروايات الرومانسية Harlequin، التي تضررت بشدة من ازدهار النشر الذاتي الرقمي، في عام 2014). وأخيرا، ازدهار الكتب الإلكترونية يناسب تماما النموذج الكلاسيكي للابتكار المعطِّل بحسب التعريف الذي وضعه كلايتون كريستنسن، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، إلى درجة أنه يبدو من الحكمة أن نفترض أنه بالفعل قد أدى عمله للنهاية. إليكم هذه الفقرة من مقدمة لكتاب كريستنسن «معضلة المبتكر»: عموما، التكنولوجيات المعطِّلة تجيء بأداء دون المستوى في المنتجات القائمة في الأسواق الرئيسة. ولكن لديها ميزات أخرى يقدرها عدد قليل من العملاء الهامشيين (والجدد عموما). المنتجات القائمة على التكنولوجيات المعطِّلة عادة ما تكون أرخص وأبسط وأصغر، وفي كثير من الأحيان، أكثر ملاءمة للاستخدام. تركز الشركات المعروفة بشكل طبيعي على خدمة عملائها الحاليين، الذين لا يهتمون كثيرا بالمنتج الجديد. فهم ينظرون أيضا إلى هامش الربح الأقل على أرخص وأبسط منتج جديد ويفكرون، «لا، شكرا». هذا ما يترك المجال أمام الداخلين الجدد، الذين يواصلون تحسين منتجاتهم وجذب عملاء جدد حتى يصبحوا مهيمنين. ويبقى قادة الصناعة السابقين على الهامش يتساءلون عن الخلل فيما حدث لهم. على الأقل، تلك هي قصة كريستنسن. فملاحظاته ليست قانونا غير قابل للتغيير، وإمكانية تطبيقها هذه الأيام ربما تأثرت نوعا ما من حقيقة أن التنفيذيين في الشركات القائمة على دراية تامة بالأمر. في عملية نشر الكتب، يعرف الجميع أن الكتب الإلكترونية هي تقنية يحتمل أن تكون معطِّلة، ولا يعمل أي من الناشرين الكبار على تجاهل ذلك. ولكن بصرف النظر عن بعض التجارب مع الإصدارات القصيرة والرخيصة والرقمية فقط (التي كان أبرزها كتاب «الركود العظيم»، بقلم تايلر كوين، زميلي في بلومبيرج، الذي كان قد صدر في وقت لاحق على شكل كتاب مطبوع)، قاوم معظم الناشرين هذه الفكرة -المدعومة بشدة من أمازون- التي تقول إن الكتب الرقمية يجب أن ينظر إليها على أنها نوع جديد من المنتجات مع نهج تسعير مختلف كثيرا. بالنسبة للناشرين، هي تعتبر مجرد شكل آخر للكتاب.