قبل 6 سنوات تقريباً جمع عراب شركة أبل الأشهر «ستيف جوبز» جمعاً غفيراً من المشاهير وصناع الرأي ليطلعهم على ما أسماه تحفة أبل الجديدة، كانت تحفته عبارة عن جهاز لوحي خفيف وصغير الحجم، يقوم بمعظم مهام الكمبيوتر المحمول ولا يتجاوز حجمه حجم كتاب متوسط. لم تكن سوق التقنية وحدها التي تترقب ذلك الجهاز، بل كان هناك فئة عريضة من أصحاب صناعة بعيدة تماماً عن التقنية، تنتظر بفارغ الصبر ظهور ذلك الجهاز، الذي كان أملها الأخير في إنقاذ صناعتها من الانهيار، تلك الفئة هي تكتل الناشرين الكبار في الولاياتالمتحدة. ولكن لماذا يترقب أصحاب دور النشر جهازا لوحياً بكل هذا التطلع؟ وما علاقة دور النشر بظهور جهاز جديد في السوق، سبقته أجهزة كثيرة وأكثر تخصصاً في القراءة الإلكترونية مثل جهاز أمازون الشهير «كيندل»؟ في الحقيقة ما كان يتطلع له هؤلاء الناشرون تحديداً هو ظهور منافس قوي يحررهم من احتكار «كيندل» تحديداً، فمع ظهور هذا الجهاز الذي تصنعه وتبيعه شركة أمازون، التي مارست عليهم ضغوطاً شديدة لشراء الصيغة الإلكترونية من كتبهم المطبوعة وبيعها على أجهزتها، كان الناشرون سيرحبون بشدة بتلك الفكرة التي تفتح لهم سوقاً جديدة غير مسبوقة لولا السعر البخس الذي أجبرتهم أمازون على قبوله. لقد فرضت أمازون على كل الناشرين سقفاً أعلى لسعر الكتاب لا يتجاوز 9.99 دولار أي أقل من 10 دولارات للكتاب مهما كان الكتاب ناجحاً أو مكلفاً وبغض النظر عن سعر نسخته الورقية التي تبلغ ضعف ذلك السعر في معظم الأحيان. كان الناشرون يضطرون لقبول تلك الخسارة الفادحة خضوعاً لاحتكار أمازون لسوق الكتاب الإلكتروني، الذي كانت تسيطر على أكثر من 90% من مبيعاته، حتى جاء يوم 27 يناير 2009 ليعلن عن دخول الآيباد كمنافس شرس على الخط، وبالفعل وخلال أقل من 24 ساعة بدأت المفاوضات بين الناشرين الذين نجحوا في فرض طريقة جديدة للتعامل ابتكرتها أبل ورضخت لها أمازون، بألا تحتكر أي من الشركتين حقوق الكتب ولا تفرض سعراً خاصاً، بل تكتفي بأخذ نسبة 30% من الأرباح كأنها وسيط بيع لا مالك للحقوق، وتحت الضغط وافقت أمازون ونشرت إعلاناً في موقعها تعتذر للقراء عن ارتفاع متوقع في الأسعار نتيجة الاتفاقيات الجديدة. تنفس الناشرون الصعداء خصوصاً وأن مؤشرات عديدة كانت تشير إلى أن أمازون في طريقها للتخلص من الناشرين والتعامل مع المؤلفين مباشرة، وهو ما رآه الناشرون تدميراً لمفهوم صناعة الكتاب بمعناه الشمولي، الذي تعجز شركات التقنية عن إدراكه، فالتحول للكتاب الإلكتروني لا ينبغي أن يلغي دور الناشر التقليدي، الذي ينتقي ويحرر ويصبر على المؤلف لينجز أفضل ماعنده، لكن الذين انتقدوا الناشرين التقليديين، عابوا عليهم بطء استيعابهم لتغيرات العصر، وعدم إقدامهم على استغلال التقنية في إنتاج كتب تفاعلية، تحتوي الصوت والصورة، وتسمح بحوار بين المؤلف والقراء، وتحدث وتعدل معلوماتها باستمرار، ويرون أن تغيير الوسيط يقتضي بالضرورة التغيير في المحتوى والأفكار حيث يتناسب مع العصر. ها قد مرت 6 سنوات على ظهور الآيباد والمعركة مازالت على أشدها، والمؤسف فيها أننا أبعد مانكون عن أمثال هذا الصراع الحضاري، ومازلنا غارقين في معاركنا الحزبية والطائفية التي لايحسدنا عليها أحد!