التفكير عرفته المعاجم بأنه إعمال العقل في شيء معين ليصل به أو بأغلبه إلى شيء معلوم يضيف إليه ويضيف إلى مفهومه ضوءا. والمشتغل بهذا يُدعي مفكرا، وكثير من مفكري هذا العصر يميلون في تفكيرهم إلى الإمامين (الغزالي محمد وابن تيمية). يقول الغزالي في كتابه مقاصد الفلاسفة: أما المنطقيات فأكثرها على منهج الصواب، والخطأ نادر فيها دون المعاني والمقاصد. أما ابن تيمية فيستخدم قضايا المنطق ليُبطل دعوى المناطقة الذين يضعون الحدود في غير مواضعها ويقيسون الاشباه والنقائض بغير قياسها ويهدرون الحقائق في سبيل المصطلحات والألفاظ بغير دراية لمعناها. فالمنطق عندهم مقيد بالعقل وليس العقل مقيدا بالمنطق كما جعله المقلدون من عُباد الالفاظ وأصحاب اللجاجة بالمصطلحات الموضوعة. الفكرة في اللغة هي: الصورة وقيل: الفكرة اكبر من الصورة الذهنية لأنها تستدعي اكثر من صورة وترتبط باكثر من معنى، لذا قيل: الفكرة أقرب إلى أن تكون خبرة ذهنية، وقد تتضمن الفكرة الواحدة اكثر من خبرة ذهنية واحدة. وقد توجد الخبرة مشحونة وجدانيا أو غير مشحونة وتتفاوت الخبرات المشحونة وجدانيا بتفاوت كمية ما تحتويه من شحنة ونوع هذه الشحنة، وقد تكون شحنة الفكرة شهوية وتدميرية معا. وقد يمكن افراغ من بعض أو كل شحنتها وتكون الفكرة مؤلمة إن زادت شحنتها على حد احتمال احتضانها، وقد تنزاح الشحنة حينئذ إلى فكرة أخرى من الأفكار الشعورية أو اللاشعورية، أو قد تتعلق الشحنة بجزء أو عضو من أعضاء الجسم، كأن تسبب مثلا زيادة ضربات القلب أو احمرار الوجه. وقد تتخفف الفكرة من بعض شحنتها الوجدانية من خلال النشاط الطبيعي الذي يمارسه الشخص بجسمه، وقد يكون في استطاعتنا أن نقول: إن للفكرة هيكلا أو تكوينا، وإن تكوين الفكرة يرتبط بالمثير الذي دفع إليها. والفكرة أو التفكير نوع من الارتقاء الوجداني، لكن داؤه (الهوى) الذي عرفهُ الراغب الأصفهاني فقال: الهوى ميل النفس إلى الشهوة، وقيل: سُمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية.. وعرفه الشريف الجرجاني بانه ميلان النفس إلى ما تستلذه الشهوات من غير داعية الشرع. وقد ذم القرآن الكريم اتباع الهوى، وبين أنه يُضل صاحبه عن الحق والصواب، بل قد يدفعه إلى التكذيب بالحق استكبارا وعنادا، وربما حمله على ارتكاب جريمة القتل. وهذا الهوى إذا تمسك به كبير السن فإنه يقوده - شاء أم أبى - إلى الخرف الذهني، هذا الخرف الذي قالت عنه الموسوعة النفسية ما يلي: الخرف هو فساد في الذاكرة يجعل المريض ينسى فيُسقِط حوادث أو أجزاء منها من سرده لها ويضطر إلى سد الثغرات فيما يذكر بأن يؤلف حوادث ويعتقدها ويدافع عن وقوعها ومهما بينا له أنها غير حقيقية فإنه يظل متمسكا بها، ومن ثم كانت التخاريف بخلاف الكذب المرضِي الذي يلجأ إليه السيكوباتيون لدرء الخطر عن أنفسهم والتمويه على الغير. وقد يقتنعون هم أنفسهم به وترتفع به معنوياتهم، لكن كذبهم إذا انكشف اعترفوا به كذبا وبرروه بخلال الخرف كما ذكرنا، فإن المخرف لا يعترف بخرفه وهو أيضا غير الهذاءات لأن المريض بالهذاءات لا يتحدث في التفاصيل والهذاءات تتميز عن التخاريف بعموميتها في حين أن التخاريف تحفل بالتفاصيل الدقيقة التي يتفنن المخرف أحيانا في طرحها، وقد يسهب في ذلك، وقد تكون مقنعة لبساطتها، إلا أنها مع ذلك تظهر كتخاريف. وهناك ما وصلنا من تخاريف تميز بها بعض مضللي شعوبهم الذين قادوهم نحو الفقر والهلاك وتذويب شخصياتهم في حامض افكارهم فنهبوهم وجعلوهم تحت خط الفقر وحجزوا على حرياتهم بخرف سياسي مهترئ تعدى تضليل شعب الى محاولة تسييس فريضة من فرائض الدين. وعليه إذا اختلط الحلو بالمر والملح بالتراب فإن هذا الخليط يكون عجيبا في لونه وطعمه ونكهته.. فإن بعض أولئك المضللين المخرفين باللت والعجن خلطوا تلك المكونات المتناقضة وألقموها أفواه شعوبهم المغلوبة على أمرها.