بمناسبة زيارة ولي ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لليابان، ومن خلال الانباء التي تردنا من تلك الزيارة تذكرت تاريخ اليابان وقصة نجاحه التي يجب أن «تُدرس» ولا «تُدرس» فقط، تلك القصة التي مُزجت بعزيمة وإصرار نادرين على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص، فكيف لبلد مر عليه حكم عسكري (الساموراي) وتخلص منه، ثم دخل نفق الحرب العالمية الثانية وما نتج عن قنبلة هيروشيما الذرية من مآس وكوارث، إضافة لندرة الموارد الطبيعية بهذا البلد والزلازل والأعاصير التي لا تفارقه، كيف يصبح ثاني أكبر اقتصاديات العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية بناتج محلي إجمالي تجاوز 4 تريليونات دولار؟ بالتأكيد اجابة ذلك التساؤل تحتاج لكُتب وليس لمقالات، لكن سأذكر اثنين فقط من أهم العناصر التي ساهمت في ذلك والتي لها دلالات واضحة على التطور الياباني الرهيب، أولهما: إن باليابان تُدرس مادة دراسية بجميع صفوف المرحلة الابتدائية اسمها «الطريق إلى الأخلاق»، وثاني تلك العناصر: إن معدل تأخر القطارات التي هي وسيلة النقل الأكثر انتشارا في اليابان 7 ثوان فقط في مجمل ايام السنة، ما يدل على أنه شعب يعي فعلا قيمة الوقت والأخلاق، إضافة للكثير من عناصر النجاح، لكن ما أود تسليط الضوء عليه هي تجربة النسخ واللصق اليابانيةالأمريكية التي لم يخجل من ذكرها اليابانيون، حيث إن اليابانيين كانوا ينسخون الصناعات الأمريكية ويعيدون لصقها وصناعتها من جديد حتى اتقنوها ونافسوا بها العالم أجمع وليس الولاياتالمتحدةالأمريكية فحسب وهذا هو مغزى مقال اليوم. في عصر منفتح كالذي نعيش فيه الذي تتقاطبه العولمة من كل اتجاه لم يعد هناك حاجة لاختراع أي عجلة من جديد، فلم تعد صناعة منتج معين أو تقديم خدمة معينة أو تطبيق إجراء محدد أمر غامض لأي منا، بل اصبح بين ايدينا (menu) من كل ما لذ وطاب ودليل ارشادي دولي بالمجان، يضم كافة الحلول والتجارب الناجحة للعالم أجمع، وما عليك سوى اقتباس احدى تلك التجارب الناجحة ومواءمتها مع المعطيات المحلية وهذا ما جعل الكثير من الدول المجاورة وغيرها تتقدم علينا بفارق من الزمن، لكن عزاؤنا الوحيد ما نلحظه على كثير من السعوديين والسعوديات بحذوهم حذو اليابانيين دون أن يعلموا، حيث إنهم اقتبسوا الكثير من التجارب والآليات والأفكار والمنتجات والخدمات الناجحة المتوافرة في دول العالم المتقدمة سواء تجاريا أو صناعيا أو استثماريا أو حتى إداريا، وأبدعوا في تطبيقها بالمعايير المحلية، وسبقوا بذلك الكثير من الجهات الحكومية وشبه الحكومية أيضا التي مازالت تصر على اختراع عجلة «مربعة» بشكل «بيزنطي» لذا أعتقد أن بأيدينا ليس التقدم فحسب، بل القفز وتجاوز الكثير من الدول التي سبقتنا باتباع نهج كهذا. الخلاصة: لنبتعد عن الهزل والمبالغة بجلد الذات ولننصف أنفسنا قليلا، كما قال أحمد زويل: «الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء! هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»... دمتم بخير.